شوف تشوف

الرأي

زيدان..

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

رجل سقط سهوا من روايات رسمية في الجزائر، حول الصراع على السلطة، أيام كانت الجزائر مقاطعة عثمانية. ومع مجيء الاستعمار الفرنسي إلى البلاد سنة 1830 كان أبو بكر، أو «أبو زيدان»، كما ورد اسمه في مرجع المستكشف البريطاني روجرز، أحد أبناء العائلات الكبيرة التي حاربت الفرنسيين جنوب وهران. ولم يكن يتجاوز عمره وقتها سنتين فقط. لكن المثير في قصة الابن أنه لم يسلك طريق الأب، وفضل عندما بلغ سن الرشد أن يهرب إلى فرنسا، بدل أن يحمل السلاح ضدها.
حيث كانت رغبة والده تتمثل في أن يسلك طريق أعمامه ويذهب إلى المشرق، لكي يواصل تعليمه. وقيل وقتها في قبيلته إنه ربما أحب فتاة فرنسية في وهران، وفر معها لأنه يعلم يقينا أن والده لن يوافق على زواجه منها.
ولم تعلم الأسرة بأنه في فرنسا إلا بعد مضي أزيد من عشر سنوات على الواقعة، حيث عاد إلى مسقط رأسه ببذلة وسروال وربطة عنق، وهو ما جعل والده يطرده قبل حتى أن يدخل منزل العائلة.
ماذا فعل أبو بكر؟
جاء إلى المغرب، شأنه شأن عدد كبير من الجزائريين الذين وصلوا عندنا واشتغلوا مترجمين، ومنهم من وصلوا إلى مراكز كبيرة وأصبحوا بقوة واقع الحال عائلات مغربية، ولم يفكروا نهائيا في العودة إلى الجزائر.
كان أبو بكر، أو أبو زيدان بحكم أنه كان يوقع أوراقه باسمين، ولا أحد يعلم السبب، في الثلاثين من عمره عندما جاء إلى المغرب، أي حوالي سنة 1860. وكانت وقتها مدينة طنجة قد بدأت تستقطب كبار الشخصيات الأجنبية إليها، وأصبح صديقا لمسؤولين في البعثة الفرنسية التي كانت تعيش أسوأ أيامها مع المغرب.
ويحسب لهذا المواطن الجزائري أنه حاول هندسة تعبيد العلاقات للفرنسيين مع المخزن، لكي يدخلوا إلى القصر، وهو ما جعل أفراد البعثة البريطانية يكرهونه وعرضوا عليه أن يمنحوه ما يريد من المال، شريطة أن يغادر طنجة والمغرب بصفة نهائية. لكن المرارة الكبيرة أنه لم يكن أمامه أي خيار متاح سوى أوروبا، وعاد من جديد إلى برد باريس، وعاش وحيدا هناك لسنوات إضافية، قبل أن يعود مرة أخرى إلى المغرب ليعمل مستشارا لشركة فرنسية للتنقيب في مجال المناجم، حيث كانت تتخذ من مدينة طنجة مقرا لفرعها.
لكن أطرف ما يتعلق بقصة هذا الرجل، أنه عندما عاد إلى فرنسا، وجدها «حافلة» بالجزائريين أمثاله، ولم يعد يحس بتأنيب الضمير، بل أراد أن ينتقم من والده ومن أبناء عمومته، لأنهم وصلوا حد تكفيره، عندما كان سباقا إلى الهجرة نحو فرنسا للدراسة.
إذ إنه، كما حكى بنفسه للسيد روجرز، الذي عمل في المفوضية البريطانية عضوا في الوفد الدبلوماسي البريطاني إلى المغرب قرابة عشر سنوات إلى حدود سنة 1890، وجد أبناء عمه في باريس بعد أن أصبح التوجه إلى فرنسا بالنسبة إلى الجزائريين حلالا لا يعاقب عليه لا شرع ولا قانون.
دُمرت حياة هذا الرجل الأسطوري الذي كان متبصرا، وقرر أن يفتح لنفسه آفاقا أوسع وربما كان ينوي الدفاع عن بلده من موقع مرموق، كما كان شأن الوطنيين المغاربة الذين تابعوا دراستهم العليا في فرنسا خلال الأربعينيات من القرن الماضي، واستطاعوا أن يكونوا سفراء للمطالبة باستقلال المغرب من منصة الأمم المتحدة، بفضل التعليم الذي تلقوه في مجالات الحقوق والطب على الخصوص.
إذا تأملتم قصة أبو زيدان، فإنها تبقى فعلا جديرة بالتأمل، وربما يكون هو الجد الأكبر لـ«زيدان»، لاعب المنتخب الفرنسي لكرة القدم السابق الجزائري الأصل، والذي أهدى إلى الفرنسيين كأس عالم أسطورية، قرنا بعد وفاة ابن زيدان الأول. من يدري، كل شيء ممكن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى