زيارة ملكية تفرض على رباح الاعتراف للمواطنين بمشاريع مولتها الحدادة
محمد سليكي
منذ الدعوة إلى انتخابات جماعية على عهد امحند العنصر، وزير الداخلية المعفى من منصبه بقرار ملكي قبل ثلاث سنوات، ورئاسة بلدية القنيطرة بقيادة الوزير عزيز رباح، تسابق الزمن من أجل المحافظة على «تحكم» حزب العدالة والتنمية في مفاصل الحياة اليومية للشأن المحلي للمواطن القنيطري. ظل الوزير رباح، الذي أضحى يسير بلدية مدينة بحجم عاصمة الغرب بـ«التلفون»، حريصا على تدبير الجماعة بهاجس انتخابوي بكل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة، وذلك «بتشجيع من مربع الأثرياء الجدد حوله، الذين منهم من دخلوا المجلس حفاة عراة، وأضحوا اليوم من رجال الأعمال الذين يحلمون بمصاهرة وزراء»، برأي مراقبين محليين.
لقد كان في التسجيل الصوتي للحسين مفتي، حارس أسرار رباح المستقيل من «البيجيدي»، والذي سبق أن انفردت «الأخبار» بنشره، «أكبر دليل على تسيير عزير رباح بإيعاز من بعض الأثرياء لبلدية القنيطرة فوق القانون»، وفق المراقبين. وهنا يحضر قول مفتي لرباح: «وانت من نهار بديتي وانت كَتخرمز، كَتخرق في القوانين، دَرتي شحال من حاجة ضد القانون».
مع رباح.. كل شيء مباح
لم يكن ما جاء في شهادة شاهد من أهلها، ينسحب على تدبير رباح لحزبه بالقنيطرة والغرب بمنطق «الهيمنة والتحكم» فقط، بل على المجلس البلدي كذلك، في ظل معارضة شبه ضعيفة، حين كشف مفتي فضيحة منح رباح أرض «جوطية بن عباد» لجمعية يترأسها المستشار الجماعي عن حزب «اللامبة»، غزال، الشهير بـ«مول التقاشر». عمى الأصوات الانتخابية الذي يسيطر على نظر رئاسة بلدية القنيطرة سيدفع، قبل انفجار فضائح مشروع تجزئة الحدادة على عهد رباح، بمفتي إلى الصراخ متشكيا من تصرفات الرئيس الوزير قائلا: «وَا قلت ليه شُوف راه ما عَندكش الحق، تَعطيه فابور الأرض، ما عندكش الحق، مُشكيلة.. ماعندوش الحق إطلاقا، كَتسمى جريمة الغدر، فالقَانون الجنائي».
فضيحة «جوطية بن عباد»، التي تؤكد المنطق الذي ظل رباح ومن وصفهم مفتي بـ«الأعضاء لي كَيمشِو عندو لِلبندقة ويسخرهم ضد المعارضين» يستعملونه، في توزيع خيرات المدينة ومنها مشروع تجزئة الحدادة، ما هي إلا «انفجار من انفجارات ستنفجر في محيط رباح»، كما توقع مفتي في تسجيله الصوتي.
لعل من بين تلك الانفجارات المستمرة فضائح تدبير مشروع تجزئة الحدادة على عهد رباح، أو «كذبة القرن» التي ذهبت ضحيتها ساكنة ومدينة وحالمون من القنيطريين بالحق في السكن، واستفاد من مغانمها الانتخابوية الأثرياء الجدد في صفوف منتخبي حزب العدالة والتنمية بالقنيطرة ومستنفعون من خارجه، على عهد هذه الرئاسة المنتهية ولايتها على إيقاع «تخلاط لعرارم»..
يأكلون الغلة ويسبون الملة
على امتداد نحو عشر سنوات من الزمن، أي ما يعادل ولايتين تشريعيتين وجماعيتين، لم يترك حزب العدالة والتنمية وهو يبحث عن فرص الانقضاض على كراسي «التحكم» في مصير الشأن المحلي القنيطري بأصوات ساكنة هذه المدينة، مناسبة تمر دون أن يجعل من مشروع تجزئة الحدادة «قنطرة» لاستمالة أصوات الناخبين، تحت مزاعم عدم قانونية وفساد هذا المشروع في مختلف تجلياته.
مكن ركوب رباح ومن معه، قبل افتضاح حقيقتهم وهم يتولون رئاسة بلدية القنيطرة، على مشروع تجزئة الحدادة تحديدا من حجز رباح مرتين مقعدا بمجلس النواب، وآخر بالوزارة، وتصدر حزبه نتائج انتخابات 2009 الجماعية، لا بل وتمكن من رئاسة هذه الجماعة وهي على أبواب حصاد غلة مشروع تجزئة الحدادة بملايير الدراهم.
كان أكثر المتشائمين في «فراغ» خطاب محاربة الفساد عند رباح وحزبه بالقنيطرة إزاء هذه التجزئة، يعتقد أن أول هدية سيمنحها وهو رئيس للمجلس البلدي، هي توقيعه قرارا بمسح مشروع تجزئة الحدادة من خريطة مدينة القنيطرة، والعودة بعدادها إلى نقطة الصفر. لم يقو رباح رئيسا لبلدية القنيطرة ووزيرا في حكومة، وصل حزبه إلى قيادتها تحت شعار «هذه فرصتنا لمحاربة الفساد والاستبداد»، على التشطيب ولو على واحد من المستفيدين من هذه التجزئة من خارج «أولاد القنيطرة» وداخلها ممن يملكون عشرات العقارات، أو سحب دون انتقائية استفادة من يتماطلون في أداء ما بذمتهم لفائدة الحساب الخصوصي لهذا المشروع التجاري، أو حتى وقف ظاهرة المتاجرة في نقل الاستفادة التي فضح قضاة المجلس الأعلى للحسابات استفحالها على عهد رباح، لا بل وحتى نشر لوائح المستفيدين من بقعها بتوقيع منه.
مرت شهور وأعوام على رئاسة رباح وحزب العدالة والتنمية لبلدية القنيطرة، دون أن يكون لمزاعم شعارات حملتهم الانتخابية في محاربة الفساد بتجزئة الحدادة وجعل بقعها من نصيب «أولاد البلاد» أثر يذكر في مداولات دورات المجلس، عدا إدراج مقررات ملاحق تعديلية لاتفاقية الشراكة بين الجماعة الحضرية ومجموعة العمران المتعلقة بإنجاز هذه التجزئة، توزعت بين طلبات جديدة بتمويل مشاريع مقترحة وأخرى «تشرعن» توزيع ما تبقى من بقعها على بعض المحظوظين والمحظوظات. ويظهر من خلال مقررات للمجلس البلدي بعض منها وقد هم تفويت عدد من بقع الحدادة غالية الثمن من فئة عمارات إلى جمعيات، وأخرى إلى أفراد وداديات موظفين يدينون بالولاء للرئيس رباح وحزبه. وكم كانت صدمة القنيطريين كبيرة وهم يتابعون رباح، الرئيس والوزير من داخل وخارج معارضته، كيف وضع شعاراته ووعيده في ما يتعلق بتجزئة الحدادة جانبا، ورفع الراية البيضاء لضغط لوبيات العقار بتواطؤ مع الوالي الأسبق أحمد موساوي، من أجل مشاركته الموافقة على إحداث مشاريع تزعم توفير سكن «25 مليونا» على واجهة طريق المهدية السياحية، مستخرجة بقع عماراتها من التحديد الإداري لتجزئة الحدادة C91.
رباح يسبح في ملايير الحدادة
مع وصول رباح على ظهر أصوات القنيطريين إلى رئاسة بلدية القنيطرة عام 2009، سيجد نفسه على حد وصف أحد قدماء النادي القنيطري لكرة القدم كـ«مدرب الرجاء الأسبق التونسي، فوزي البنزرتي، وقد تسلم قيادة فريق الرجاء وهو مؤهل لخوض نهائي مونديال الأندية أمام بايرن ميونيخ بمراكش، بنهج تكتيكي وطراوة بدنية كان قد شيد بناءها المدرب الموشح، امحمد فاخر». أي أنه بلغة أهل الكرة «دخل على فرقة جاهزة لتقديم الأفضل، بسيشيكمو ومورالمو وفيزيكمو وفينانسيغمو،».. يوضح مصدر «الأخبار».
لقد صادف أن تدفقت على خزينة جماعة القنيطرة ورباح يتسلم مفاتيح رئاستها، موارد مالية لم تكن متوفرة للمجالس السابقة، وهو سر من أسرار تدخل الدولة والجماعة الحضرية للقنيطرة على عهد الوزير الأول الأسبق إدريس جطو للتوقيع، حسب وثائق حصرية حصلت عليها «الأخبار»، في 23 دجنبر 2005، على مشروع اتفاقية الشراكة عن طريق التدبير المفوض بين الجماعة الحضرية والمؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للجهة الشمالية الغربية، لإنجاز تجزئة الحدادة برؤية تجارية، لإنقاذ ميزانية الجماعة في القادم من السنوات من الإفلاس وتمكينها من تمويل مشاريع عديدة توثقها تلك الاتفاقية، ويسوقها اليوم موالون لرباح، لأهداف انتخابوية، كما لو أنها من إنجاز عهد رئاسته تمويلا وإعدادا وتنفيذا.
قيدت عدة مقتضيات من الأبواب العشرين لهذه الاتفاقية، خاصة الباب العاشر وما يليه، طرفي الاتفاق بإحداث حساب خصوصي يسمى «موارد إنجاز مشروع الحدادة»، على أن تمول منه الجماعة مشاريعها في التأهيل الحضري للمدينة على جميع مستويات مشاريع القرب من إنارة وطرق ومرافق وغيرها، وتتولى مؤسسة «العمران» التي حلت محل صاحب المشروع المنتدب الأول بموجب القانون رقم 27/03، عملية الاستخلاص والتحويل ودراسة وتتبع المشاريع مقابل 7 في المائة من قيمة كل كلفة تكليف ورد عليها من المجلس في هذا الإطار.
لم تقد أصوات القنيطريين والفراغ السياسي الذي حل بالمدينة عام 2009 رباح ومجلسه الجماعي إلى تشييد ما سمي بـ«المخطط الجماعي للتنمية «2011/2009» و«2016/2011»»، على أنقاض المشاريع المبرمجة في إطار اتفاقية شراكة التدبير المفوض مع «العمران» على عهد المجلس السابق وتمويل حساب خصوصي لعائدات تجزئة الحدادة التي فاقت 42 مليار سنتيم، بقدر ما وجد رباح نفسه أمام استفادة جماعة القنيطرة فضلا عن ميزانيتها السنوية من الدولة، من برامج تأهيل حضري هم بتوجيه من الملك غالبية مدن المملكة، وانطلقت ميزانية وزارة الداخلية في رصد اعتماده بكل جماعة على عهد الوزير الأول السابق، عباس الفاسي.
وبالعودة إلى المخطط الجماعي للتنمية أو«PCD»، نجد المجلس الجماعي لا يأتي على ذكر المشاريع الممولة من طرف الحساب الخصوصي لتجزئة الحدادة، بقدر ما يقدمها على أنها في إطار تمويل ذاتي، بخلاف تصريحه في وثائق الملاحق التعديلية لاتفاقية شراكة التدبير المنتدب مع «العمران»، بكون المشروع محط التعديل، هو من تمويل الحساب الخصوصي لعائدات تجزئة الحدادة. في 7 يونيو 2014 ستصادق سلطة الوصاية، ممثلة في عبد اللطيف بنشريفة، الوالي المدير العام للجماعات المحلية، عن وزير الداخلية وبتفويض منه، على ملحق تعديلي ثان لاتفاقية الشراكة المتعلقة بإنجاز تجزئة الحدادة الذي تقدم به عزيز رباح، رئيس الجماعة الحضرية لمدينة القنيطرة. في الباب الأول لهذا الملحق التعديلي، الحامل لتوقيع رباح، جاء تغيير برنامج إنجاز الأشغال المرفقة بالاتفاقية الأصلية بإضافة أشغال وتمويلها من الحساب الخصوصي لتجزئة الحدادة وهي: «الإنارة العمومية بمبلغ 10 ملايين درهم، والطرقات بمبلغ 40 مليون درهم، والمساحات العمومية والمناطق الخضراء بمبلغ 20 مليون درهم، وبناء مقر الجماعة الحضرية بمبلغ 15 مليون درهم».
تلك المشاريع وفق الملحق التعديلي والجاري إنجاز عدد منها حاليا، خارج الوعاء العقاري للحدادة، «لا يعترف رئيس الجماعة وجوقته وجيش حزبه الإلكتروني، احتراما لذكاء دافعي الضرائب، بكونها من تمويل عائدات مشروع تجزئة الحدادة ومرجع التوقيع على اتفاقيتها هو 23 دجنبر من عام 2005»، حسب مراقبين.
مشاريع انتخابوية.. منجزاتنا تغالطكم
اعترف رباح ومجلسه بحقيقة تمويل وجاهزية تنفيذ تلك المشاريع. يقول هؤلاء: «لا يسقط مساهمة الجماعة في تلك الأوراش، التي من واجهاتها أخذ مستشارين بـ«البيجيدي» وأثرياء الريع السياسي المثار حولهم سؤال (من أين لك هذا؟) صورا وفيديوهات مشوهة الحقيقة والغايات، مع أشغالها في الشوارع والأزقة والأحياء تحت مسمى منجزاتنا تغالطكم.. عفوا تخاطبكم».
ظهور الأجندة الانتخابية في سماء الدوائر الحكومية، سيجعل رباح، رئيس بلدية القنيطرة، يمارس ضغطا على «طنجرة» مصادقة سلطة الوصاية على ملحق تعديلي رابع يمكنه من إنجاز مشاريع تشوب حولها شبهات حملات انتخابية تخص تهيئة الطرق بمبلغ 60 مليون درهم ممولة من الحساب الخصوصي لتجزئة الحدادة، وهي تجزئة «كانت قد قادت تمثيليته وحزبه في معارضتها زمن اصطفافهم في المعارضة، إلى وصوله على ظهر أصوات من صدقوا خطابهم الفارغ إلى البرلمان والحكومة، والتغول على السلطة والمعارضة بالمجلس الجماعي، ومنع المواطنين من مراقبة دورات تحديد مصير شأنهم الجماعي»، بحسب مراقبين. وكم كانت لافتة، مع التصويت على كل حساب إداري، مزايدة رئاسة المجلس بترك فائض في الميزانية، رغم «غرق المدينة في الأزبال وحسرتها على زمن بغل البلدية»، على حد تعبير الشارع القنيطري. كما أن إفراغ رباح للحساب الخصوصي لتجزئة الحدادة، بطلبه توفير اعتمادات مالية لتهيئة الطرق بقيمة 60 مليون درهم، وسط مصادقة لسلطة الوصاية على صرفها، في عام انتخابي خلال الشهر الجاري خلف ردود فعل متباينة.
قصة رئاسة المجلس البلدي بقيادة رباح مع سب ملة مشروع الحدادة جهرا، وتخطيط صرف غلة عائداته سرا، عبر الملاحق التعديلية لتمويل مشاريع انتخابوية، ستبلغ مداها في غشت 2011، أي مباشرة بعد انطلاق حلم رباح بالاستوزار.
وبالرجوع إلى نص هذا الملحق التعديلي، الذي يحمل توقيع رباح، والوالي الأسبق أحمد موساوي، والمدير العام الأسبق لشركة «العمران»، يونس السفياني، نجد أن رباح تقدم بثلاثة مشاريع للتمويل من الحساب الخصوصي لعائدات تجزئة الحدادة، يعتقد كثير من المواطنين أنها من تمويل المجلس الجماعي مع جلوس «البيجيدي» على كرسي رئاسته، والحقيقة خلاف ذلك.
توزعت تلك المشاريع ما بين إعادة هيكلة حي المخاليف العشوائي، بمبلغ 30 مليون درهم، وتهيئة الطرق والساحات العمومية بمبلغ 100 مليون درهم، وإنجاز مرافق سوسيو ثقافية ورياضية بمبلغ 30 مليون درهم.
تمويل هكذا مشاريع والتي فُرض على رباح إشهار لوحات شركاء تمويلها للعموم، عند الزيارة الملكية ما قبل الماضية، “ما كانت ستقوم له قائمة لإنجازها لو لم يكن المجلس السابق قد أمن لها منذ عام 2005، بشراكة مع الدولة، حساب خصوصي يتغذى من مداخيل بيع بقعة تجزئة الحدادة، حتى لو كان مجلس جماعة القنيطرة يترأسه أوباما وليس رباح”، وفق مصدر رفيع لـ”الأخبار”.