شوف تشوف

الرئيسية

زوجة إدريس التادلي ترسل نداءات استغاثة لقلوب الفنانين

فوجئ المغاربة بنداء استغاثة صدر في جريدة «الاتحاد الاشتراكي» يوم 4 نونبر 2010، يدعو الفنانين والقائمين على الشأن الفني بصفة عامة لمساعدة المسرحي والمنشط الإذاعي والتلفزي إدريس التادلي في محنته، حين كان يرقد في مصحة القلب والشرايين بسلا إثر إصابته بوعكة صحية ألحقته بغرفة العناية المركزة. كانت زوجة التادلي وراء المبادرة حيث أصرت على وضع رقمها الهاتفي رهن إشارة القراء والمحسنين وأصدقاء زوجها الذي كان يعيش وضعا صحيا حرجا.
حصلت الاستجابة لذلك بمساهمة من النقابة، وألحق الفنان بالمستشفى العسكري بالرباط، وأجريت له عملية جراحية، لكن وضعه الصحي تراجع بشكل كبير، إلى أن توفي. مات الفنان التادلي قبل أن تتحرك الجهات القائمة على الثقافة، وتوقف نبض قلبه في الوقت الذي كانت النداءات تنتشر في المشهد الفني بأثر رجعي، وهو الجهد الذي انخرطت فيه جمعيات المجتمع المدني حين لاحظت تقصير الجهات الرسمية التي لم تعر الاهتمام اللازم للوضع الصحي المزري للفنان.

تقصير الإعلام
وسط حيرة الجميع أعلن عن وفاة إدريس ودفن بمقبرة الشهداء بالرباط، بعد أيام على نداء الاستغاثة، وتبين أن أنفة الرجل جعلته يخفي الخصاص الذي كان يتنسك بتلابيبه.
آخر حوار لإدريس يرجع لليوم الوطني للمسرح، حين تبين له أن الصحافيين لا يعيرون اهتماما للرواد، انتابته نوبة غضب وقال: إن «الجيل الحالي لا يعرف الشيء الكثير عن جيل الرواد، وهذا ناتج، ربما، عن تقصيرنا، أو تقصير الصحافة، التي لا تهتم إلا بما هو موجود، ولا تهتم بالماضي، لكن، أيضا، هناك تقصيرا من طرف التلفزيون في التعريف بجيل الماضي»، مضيفا أن «جيل الرواد كان جيل التضحية، لأنه جاء بعد الاستقلال، والبنيات الأساسية لم توجد بعد، فكان من الضروري أن نضحي».
أقر في هذا التصريح بالتضحية، واعتبرها دافعا للعطاء في زمن يصعب فيه العيش بعملة التضحية ونكران الذات، لكنه ظل إلى أيامه الأخيرة حريصا على كرامة الفنان رغم الضائقة التي حاصرته.
يعد الفنان إدريس التادلي أحد رواد التنشيط التلفزي والإذاعي بالمغرب، ساهم، إلى جانب نظراء له، في ترسيخ العمل الإعلامي بالمغرب، وفي التعريف بالعديد من الأصوات الغنائية المغربية، من خلال برنامج «أضواء المدينة»، الذي كان ينتجه الفنان حميد العلوي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. ومن تلك الأصوات، الراحلة رجاء بلمليح، ومحمد الغاوي، وفاطمة مقدادي، وآخرون.
حسب شهادات رفاق دربه، فقد كان إدريس من صناع النكتة في التنشيط التلفزي. «لم يكن مجرد مبدع، بل إنسانا مخلصا لعمله وفنه ووطنه، وكان حضوره قويا ضمن العملية الإبداعية المغربية، وله الفضل العظيم في اكتشاف المواهب الشابة، عبر برنامج «أضواء المدينة» الذي انطلق سنة 1979».

اشتغل الراحل مع النواة الأولى لفرقة المعمورة، أمثال الطيب العلج، والطيب الصديقي، والبشير السكيرج، وعزيز موهوب، وأحمد العلوي، وفاطمة الركراكي، ومليكة العمري، وصفية الزياني، والراحل محمد عفيفي. وشارك في مسرحيات عدة، منها «الناعورة»، و«الثري النبيل»، و«بنات الوطن»، و«القنطرة»، وغيرها من الأعمال، التي خلدت اسمه في ريبرتوار المسرح المغربي.
قال عبد العالي الرامي الباحث في مجال الفن، إن الراحل اشتغل كإداري بسيط بمسرح محمد الخامس بالرباط، قبل أن يقعده المرض ويتوارى عن الأنظار، مضيفا أن «الفنان يجب أن يحظى بالاهتمام في حياته، قبل مماته»، ودعا إلى تفعيل بطاقة الفنان، والاهتمام بالرواد، الذين غالبا ما يرحل العديد منهم في صمت.
وقال عبد العالي بركات، إن التادلي كان له أسلوب خاص به، فهو «يكتب نصوصه بنوع خاص من الدارجة يتسم بالقوة والجمال والغنى»، أي أنه ينزل إلى المتلقي دون أن يرفع سقف لغته.

فن الإدارة
مات المنشط الساخر حزينا عن سن السبعين، تاركا وراءه رصيدا فنيا في الوقت الذي حرص كثير من الفنانين على نفخ أرصدتهم المالية، تكفيه المكانة المرموقة التي يحظى بها في الوسط الفني وفي مجال التنشيط الإذاعي والتلفزي، فضلا عن علاقاته الإنسانية الطيبة.
تأبط إدريس وهو شاب يافع موهبته في منتصف الستينات وانضم إلى فرقة المعمورة، كان في سن السابعة عشرة، عندما قدم من مدينة بني ملال، فأخذ الطيب العلج بيده، لأنه توسم فيه الموهبة الجميلة والرائعة وخصلة أخرى نادرة هي الحب.
اكتسب «التدلاوي» وهو قيد حياته فن إدارة الفرق المسرحية، فقد أدار الفرقة المسرحية المعمورة، منذ مراحلها الأولى في أواخر الستينيات، وبداية السبعينيات. كما أدار في الفترة نفسها التداريب الوطنية الخاصة بالفنون الدرامية، التي كانت تنظم تحت إشراف وزارة الشباب والرياضة لفائدة هواة المسرح. وفي هذه الفترة كذلك، نظم الفقيد -الذي تخرج في المدرسة الوطنية للفن الدرامي بالرباط وحصل على الجائزة الأولى في المسرح المعاصر، مطلع الستينيات- مجموعة من دورات المهرجان الوطني للمسرح المغربي، يقول نفس المصدر.
بعد رحيله قالت رفيقة دربه نعيمة المشرقي في حوار بجريدة «بيان اليوم»، إن التادلي، يعد رجلا من طينة خاصة. كانت كتاباته المسرحية رائعة، إنها نوع خاص من الدارجة يتسم بالقوة والجمال والغنى. آخر أعماله التي شاركت في تشخيصها، مسرحية «الخادمات» التي اقتبسها عن الكاتب المسرحي الفرنسي جون جونيه. كان إنسانا سموحا، يعمل في الظل. يسعد كلما شعر بأنه قدم خدمة لصالح الآخرين. لقد قدم عطاءات قيمة في الميدان الفني عموما. إنه نموذج الإنسان الغيور على وطنه». وهو ما كان يجعل الجمهور يتجاوب مع أعماله المسرحية، عند عرضها، حيث إن مسرحية «درهم الحلال»، عرضت ما يفوق ألف مرة.
أجمع مهنيو الفن المسرحي أن الراحل ظاهرة فنية وموهبة فذة، وطبعا عندما يقترن كل ذلك بميزة التواضع، لا يمكن إلا أن يترتب عنه قمة الفن.
كان التادلي يفكر قبل وفاته بأسابيع قليلة، في أن يقدم مسرحية «درهم لحلال» في حلة جديدة، لكن المرض أقعده.
مشروع آخر مات بموت إدريس وهو مؤلفاته حول الإذاعة والتلفزة التي لم تخرج للوجود لأنه لم يكن يملك إمكانية طبعها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى