زهرة بوسلهام.. أرملة الجنرال الدليمي التي تزوجها بتوصية من أوفقير
منذ أن تخرج الشاب أحمد الدليمي من المدرسة العسكرية لمكناس برتبة رائد «ليوتنان»، شرع والده لحسن الدليمي يبحث له في مدينة سيدي قاسم عن شريكة لحياته، ووضع لذلك مجموعة من المعايير أبرزها معيار «الحسب والنسب». رفض لحسن مقترحات بعقد قران ابنه من فتاة صحراوية من قبيلة أولاد دليم التي يتحدر منها، وظل يؤجل عروض زوجته إلى ما بعد عودة الابن العسكري من دورة تكوينية قادته إلى فرنسا سنة 1955.
كان رفاقه في التكوين العسكري يجزمون بأن الدليمي سيرتبط بفرنسية، لقد كشف لرفاقه عن رغبته في الزواج من «كَاورية»، لكنه كان يضع ألف حساب لـ«فيتو» والده الحاج لحسن، وحين عاد إلى المغرب، نصحه والده بالبحث عن شريكة حياة لها امتدادات وجذور في تربة الوجاهة وشجرة الأعيان، فوافق على الاقتران بابنة أحد الوطنيين المقربين من ديوان السلطان محمد الخامس، وعمره 27 سنة، لكن سرعان ما أعلن الدليمي عصيانه ورفض الزواج. حول هذه الواقعة كتب ستيفان سميث في مؤلفه «أوفقير قدر مغربي»: «كان أوفقير يختار معاونيه ويجندهم كما حدث مع ضابط شاب من أصول صحراوية، تابع دراسته في ثانوية مولاي يوسف بالرباط، وتخرج على رأس فوجه، اسمه أحمد الدليمي. وعندما وظفه أوفقير إلى جانبه كان قد قضى ثلاث سنوات من العقاب على سلوك لم يحبذه محمد الخامس. ذلك أن أحمد الدليمي كان في سنة 1958 سيتزوج بكريمة أحد الوطنيين الكبار الذين كان لهم تقدير خاص لدى محمد الخامس. ألغى الدليمي قرانه الأول مدعيا أن الفتاة ليست بكرا، كان ذلك إهانة علنية للوطني المحترم، وهو ما تسبب في نقل الدليمي إلى ثكنة فاس عقابا له».
تعرض الدليمي لعقوبة على ذنب لم يقترفه، قبل أن يضع يده في يد أوفقير ويقرر تأجيل الزواج الذي كلفه عقوبة حبسية، وهو الذي كان يطمح ليكون رجل ميدان لا جندي ثكنات، وحين نسي الليوتنان حكاية البكارة، شرع في التفكير جديا في شريكة حياة فاهتدى رفقة والده إلى أسرة قاسمية حيث تقدم لخطبة ابنة مسعود الشيكر، أحد الوطنيين الذين وقعوا وثيقة المطالبة بالاستقلال، والذي شغل منصب رئيس لمكتب الوزير الأول بالصدارة العظمى بين سنتي 1947 و1950 نظرا لمؤهلاته العلمية والثقافية والإدارية، بعدها عين نائبا لمدير الديوان الملكي. وبعد رجوع المغفور له محمد الخامس من المنفى في نونبر 1955، تقلد مسعود الشيكر مناصب سامية في الدولة المغربية، منها مدير الديوان الملكي، ووزير للداخلية في ثالث حكومة مغربية بعد الاستقلال. هذه المهام كانت كافية لانضمام الضابط العسكري إلى عائلة تعبد له الطريق نحو المناصب الكبرى. لكن صهره سرعان ما أقيل من منصب وزير الداخلية بعد سبعة أشهر من السلطة، في ظل هذا المتغير السياسي اضطر أحمد لتطليق نجلة الوزير المقال، ليتزوج في السنة نفسها بزهرة بوسلهام، نجلة أحد المقربين من محيط الجنرال أوفقير، بدعم ومساندة من هذا الأخير. وكأن الضابط اختار التخلص من ابنة وزير الداخلية السابق والارتباط بزوجة أخرى بتوصية من رئيسه المباشر.
حرص أحمد على اقتناء ضيعة في ضواحي بلقصيري، كانت مستقرا لأسرته، وعهد لزوجته زهرة بتربية الأبناء بعيدا عن صخب المدينة، قبل أن يقرر نقلها إلى منزل وضعته القيادة العسكرية رهن إشارته في حي السويسي بالرباط.
وحسب الكاتب محمد شقير في مؤلفه «المصاهرات داخل النخبة العسكرية بالمغرب»، فإن زواج الدليمي عبد له الطريق نحو المناصب السامية، «تسلق الرتب العسكرية العليا بسرعة، حيث رقي في سنة 1966إلى رتبة كولونيل، وتم تعيينه مديرا للديوان العسكري للملك الحسن الثاني، لتوكل له عدة مهام أمنية واستخباراتية. بعد ذلك عين على رأس جهاز الأمن الوطني في سنة 1970».
ورغم أن أوفقير هو الذي كان وراء خطبة الدليمي لزهرة، فإن هذا الخير لم يبلغ شأنا عاليا في سلم السلطة، إلا بعد وفاة أوفقير، حيث تمت ترقيته إلى رتبة جنرال، وهي أعلى رتبة يمكن أن تطمح إليها أية شخصية عسكرية في عهد الملك الحسن الثاني، خاصة بعد فشل المحاولتين الانقلابيتين في 1971 و1972، وتعيينه قائدا أعلى للمنطقة العسكرية الجنوبية.
حين توفي الدليمي في حادثة يلفها الغموض، مساء يوم 25 يناير 1983، كانت زوجته زهرة تعاني من مرض أقعدها، وحال دون وقوفها لاستقبال المعزين، فقد علمت بالخبر عبر نشرة إخبارية في التلفزيون، كان آخر لقاء لها مع الملك الحسن الثاني، حين حضر إلى البيت لتقديم العزاء، أخفت عنه مرضها لكن الملك اكتشف حالة الهوان التي تسيطر عليها فنادى على طبيبه الخاص، الدكتور عبد اللطيف بربيش، وأمره بأن يسعفها، قبل أن يلتقي بأبناء الفقيد ووالده ويقول لهم: «حتى حاجة ما تمسكم».