زمن معالي الزفت وسعادة الغش
عشنا وشفنا ونحن على أعتاب نهاية عمر هذه الحكومة، كيف أن فضح الفساد والمفسدين أصبح أمرا مقدسا وموجب للاعتقال، ولم يكن يعتقد الشاب عبد الرحمان المكراوي من ساكنة جمعة سحيم في آسفي، أن السخرية عبر شريط فيديو مصور بالهاتف النقال من طريق عمومية تقتلع فيها طبقة الزفت والفرشة الأولية كما يقتلع «البغرير»، ستجره إلى السجن، والسبب أن النيابة العامة عبر وكيل الملك ووزارة العدل رأت في الفيديو الساخر مسا بهيبة الفساد وإخلالا بالاحترام الواجب للغش.
الشاب عبد الرحمان حينما صور الفيديو الفضيحة في جمعة سحيم بآسفي، لم يكن يعتقد أنه سيصل إلى العالمية، وسيتضامن معه «فايسبوكيون» من إسبانيا وإنجلترا وفرنسا وأمريكا والإمارات وألمانيا وروسيا، وحتى الصين التي وصلها الفيديو وتم تداوله في برامج ساخرة على القنوات التلفزيونية وبمواقع الأنترنيت، واللقطة «الخايبة» في هذا الفيلم، هي أن بطل الشريط سينتهي بتعليمات من وزارة العدل معتقلا بسبب شكاية رئيس جماعة سحيم الذي لم تصله بعد ثقافة «الويفي»، واعتبر أن الفيديو يمس بشرف الجماعة ويشوه سمعتها، بعدما أصبح المطلوب من المواطنين في جماعة سحيم التي يسيرها حزبا الاستقلال والعدالة والتنمية هو التعايش مع الفساد و«الله يعز لحكام».
يجب أن نعترف اليوم أن الشاب عبد الرحمان ناب لوحده عن هيئات ومؤسسات دستورية، كالقضاء والعدالة والمجلس الأعلى للحسابات، وكل لجان التفتيش لوزارة الداخلية، ولجان تقصي الحقائق البرلمانية، وتمكن عبر شريط فيديو ساخر من دقيقتين فقط، أن يكشف المستور ويعري عن غش فاضح بالعين المجردة، بدون حاجة إلى المختبرات التقنية في طريق عمومية تقع بمقر سكناه، وتم صرف أموال عمومية ضخمة من أجل إنجازها، والنتيجة أن ما نقلته كاميرا عبد الرحمان حولته إلى بطل، ثم متهم ومعتقل في السجن، يواجه اليوم بجانب تهمة السب والقذف تهمة ساخرة وسخيفة، ابتدعتها وزارة العدل عبر مكتب وكيل الملك، أوجدوا لها اسما هو «تعييب ممتلكات ذات منفعة عامة».
الغريب هو كيف يرفع الملك التحدي عاليا ويحذف عن نفسه صفة القداسة في الدستور الجديد للمملكة، ويصفق له الشعب ويدخل التاريخ بهذا القرار الفريد من نوعه في كل ملكيات العالم، وكيف لوزارة العدل التي جاء وزيرها على ظهر شعار «إسقاط الفساد والمفسدين» تمنح للزفت المغشوش وفساد الصفقات وجرائم تبديد أموال عمومية صفة القداسة والمنفعة العامة، ولا تجد من تعليمات سوى الاعتقال والمتابعة ورفض طلب السراح المؤقت، ليس لصاحب المشروع والمقاول والمسؤول التقني عن تتبع الأشغال، بل لمن صور غشهم وأضحك العالم بسرقتهم لأحلام وطرقات المغاربة.
لو كنا في ديمقراطية حقيقية وحكومة «ديال بصح»، لفتح تحقيق قضائي بمجرد وضع شريط عبد الرحمان المكراوي على الأنترنيت، لتحديد مسؤولية التقصير ومعاقبة المتورطين في الغش في الصفقات العمومية، ولمنحته منظمات عالمية جوائز في المواطنة ومحاربة الفساد، أما ونحن مع أجمل حكومة في العالم، يشجع وزيرها في العدل المواطنين على فضح الفساد والتبليغ عن الرشوة، فقد تبين الآن أن ذلك مجرد «كاميرا خفية» لحزب العدالة والتنمية، وأن المعقول الذي يتكلم عنه بنكيران هو «سد فمك»، كما قالوا للشاب عبد الرحمان بعد اعتقاله.
في يناير المنصرم وضع رئيس الحكومة ميزانية وخطة لمحاربة الفساد، بمليار و700 مليون درهم، وبعده بأيام قليلة فقط صور الشاب عبد الرحمان المكراوي بهاتف نقال «بون أوكازيون» لا يتجاوز ثمنه 300 درهم غشا فاضحا في إنجاز طريق عمومية كلفت الملايين بآسفي، وحين وصلت قضيته إلى العالمية، اعتقل وطلب منه رئيس الجماعة إنجاز فيديو مضاد والاعتذار للغش والفساد من أجل إطلاق سراحه.. فقط لأنه تطاول في زمن عدالة مصطفى الرميد وحكومة بنكيران على معالي الزفت وسعادة الغش.