زمن عجيب
محمد بوغلال
لا أعلم، لا أعلم لماذا يجيء الصيفُ مبكرًا، ويروح الشتاءُ حزينًا مع بقايا الصيفِ، وتطير الفراشات مسرعةً، وتمرُّ أمامي الحقائقُ ولا أقتفي أثرَها، ولا النتائج أبتغي حلاوتها، ولا النسيمُ أنعَمُ بطِيبه، ولا الصديق بأنسه؟
كبَّلوا الغنى وأطلَقوا عنان الفقر، قيِّدت السعادة في سلاسل من حديد، وأرْخَوا حبال اليأس والكآبة، انتحَرت الأفكار في زمن الفكر، وألفَوا المال داخلَ منزلٍ للبغاء في رفاهية واستعلاء، والكرامة والقناعة يستزيدون عليهما في أسواق البخسِ!
مللتُ، سئمتُ، سأنتحرُ، سأفعلها، لكن انتحاري سيكون داخل السطور والصفحات، في وسط الكلمات والأفكار، سأمتزجُ مع الجُمَل والأفعال، سأفعلها حقًّا؛ لأن أحلامي صارت تائهةً، غدَتْ متشرِّدةً في دنيا الأحلام، لا مأوى لها، لا مستقرَّ، متأثرة بشظايا ماضٍ بئيس، سأفعلها لأنني لم أعد أنا هو أنا، أصبحتُ أنا آخر، لم أعُدْ أعرفني جيدًا، تغيرت على نفسي، نسيت طفولتي، غُسِلت ذاكرتي!
نعم سأفعلها؛ لأن حياتي تحوَّلت سرابًا ضائعًا في سماء التِّيه والخِذلان، في سماءِ الحقد وقلة الخلَّان، في سماء الحسد والطغيان، في سماء المنكر والعميان، نعم العميان، عميان عن الحقيقة الملتصقة في سواد أعينِهم، الحقيقة المتحاربة مع فُسَّاق وفُجَّار هواهم ونشواتهم وشهواتهم، آهٍ! لقد فقدتُ شهوتي أنا أيضًا، ذابت في زمن الشهوات، أُطفِئت شعلتها، وذبُلَت زهرتها منذ زمن بعيد، نعم، فلم أعُدْ أُحِسُّ بشهوتي في الحياة، وسط السراب، وسط أجواء تجعلك تحبُّ الموت ألف مرة ومرة، وتُبغِض الحياة مئات الآلاف من المرات!
أريد فقط أن أستريحَ من كل شيءٍ، مِن لا شيء، المهم أن أستريح، حبَّذا لو كانت راحة مستمرة، فأنا لا أفضِّل التقطُّع.
رُبَّ راحة مستديمة، أزلية، بجوار عبدك المنيرِ، السراج الوهَّاجِ، الذي أضاء الدنيا بنوره وعدله، وأظلَموها بنارِهم وطغيانهم، عليك صلواتُ الله يا خير مصطفى، وأطهَرَ رسولٍ، وأشرَفَ نبيٍّ عرَفه البشر.