شوف تشوف

الرأي

زمن الوكالات المتنقلة للعملة

يونس جنوحي
منذ بداية الجائحة ولا حديث للناس إلا عن تحويلات المهاجرين بالخارج ودفعات الدعم الذي صرفته الدولة للفئات المعوزة. وهذا يعني أن وكالات تحويل الأموال وصرف العملات كانت محط الأنظار طيلة هذه المدة.
فآخر الأرقام المعلن عنها توضح أن هناك ارتفاعا في مقدار المبالغ السنوية المحولة إلى المغرب خصوصا من دول الاتحاد الأوربي، بالإضافة إلى ارتفاع ملحوظ في الحوالات المالية التي يتم صرفها داخليا بين المدن. وهذا كله كان سببه الشلل الاقتصادي الذي تسبب فيه وباء كورونا للعائلات المغربية، ولولا تضامن الأسر في ما بينها لكان وقع الأزمة أشد وطأة على المواطنين.
موضوع تحويل الأموال وصرف العملات يستحق فعلا أن نتوقف عنده برهة. أول مدينة مغربية عرفت توفير العملات هي مدينة طنجة بحكم أنها كانت منطقة دولية. وهذا التداول للعملات في وقت لم يكن المغاربة يألفون استعمال المال في حياتهم اليومية ويعملون بنظام المقايضة خلال القرن الماضي، جعل الأجانب يستأثرون بها، ثم ما لبث بعض التجار المغاربة أن ولجوا عالم تحويل الأموال وصرف العملات الأجنبية. حيث كان السياح الأجانب الذين يصلون إلى المغرب من ميناء طنجة منذ بداية القرن العشرين يجدون أمام رصيف الميناء تجارا مغاربة يضعون أمامهم ما يشبه «القفة»، حيث يضعون فيها رصيدهم من العملات ويقومون باستبدالها للمسافرين وفق سعر صرف يتغير بتغير الزبون ويخضع لمنطق المفاوضات بدون علم مكتب الصرف!
بقي هذا الموضوع شائعا في شمال المغرب لعقود، حيث كان الوافدون إلى ميناء طنجة القديم يحذرون بعضهم البعض من حيل صرف العملات وتحويل الأموال في الوكالات التي فتحتها بعض الأسر المغربية عندما انطلقت أولى الوكالات البنكية في طنجة، والتي تعتبر إلى الآن أقدم الوكالات التي افتتحت في القارة الإفريقية. إذ كانت هذه الأبناك تعتمد نظام البرقيات وتقوم بتحويل الأموال للموظفين الذين كانوا يشتغلون في الهيئات الدبلوماسية والتجار الأجانب، وحتى العائلات المغربية التي كان أبناؤها يتابعون دراستهم في إسبانيا على وجه الخصوص. حيث كانت فروع الأبناك الأولى التي فتحت في طنجة تقوم بخدمة تحويل الأموال عبر البرقيات في مدة لا تتعدى ثلاثة أيام. وخلال الحرب العالمية الأولى والثانية، لعبت الوكالات البنكية في طنجة دورا كبيرا في إنقاذ الإسبان حيث كانت الأسر الإسبانية المقيمة في المغرب ترسل حوالات مالية إلى مدريد حتى لا تموت عائلاتها جوعا بسبب الحرب.
وإلى حدود أربعينيات القرن الماضي، كان سكان طنجة يتداولون العملات الإسبانية في حياتهم اليومية. وعندما حل الملك الراحل محمد الخامس في مدينة طنجة في أبريل 1947، خلال زيارته التاريخية للمدينة، كانت مسألة إزاحة العملة الإسبانية من الصدارة من النقط التي عرضت على الملك الراحل وقتها بالإضافة إلى تأسيس مدارس نظامية خاصة بالمغاربة حيث تنتصر للغة العربية.
تأسست المدارس، وتأجل موضوع العملة لأن فكي الاقتصاد كانا أشد من أن تتم إزاحة العملة الإسبانية بسهولة من السوق. خصوصا أن المتحكمين في الاقتصاد كانوا من الإسبان، في وقت كانت جل الأسر المغربية بالمدينة تشتغل في الحرف والأعمال اليومية.
ولعل أطرف ما قد نختم به، صورة بليغة بطلها أحد المواطنين في طنجة، عندما وصل إليها خبر وفاة الجنرال فرانكو في شتاء 1975. إذ كان هذا الشاب يشتغل في رصيف الميناء ويحاول إقناع السياح الأمريكيين باستبدال الدولار بالبيزيتا الإسبانية عند وصولهم إلى طنجة. وعندما انتشر خبر وفاة فرانكو عبر الراديو، أخذ الشاب يبعثر ما في حوزته من العملة الإسبانية فوق رصيف الميناء بشكل أثار استغراب هؤلاء السياح. لكن عند انتهاء عطلتهم في المغرب، قد يفهمون السر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى