حسن البصري
منذ أن فتح «الميركاتو» الصيفي أبوابه، لا يجد وسطاء الكرة متسعا من الوقت لـ«حك» شعر رؤوسهم، فهم يسابقون الزمن لمساعدة هذا الرئيس أو ذاك في البحث عن لاعب كامل الأوصاف.
كان الله في عون أبناء الوسطاء الرياضيين، فهم محرومون من العطل الصيفية والشتوية، بسبب «الميركاتو» الذي يتزامن مع العطل، لكن إذا عرف السبب التمسنا لهم العذر.
كان الله في عون الوسطاء، فهم محرمون من الأعراس والمناسبات العائلية، إلى أن يغلق باب التسوق الرياضي، وينتهي التسوق وفق شعار «الله يجيب الغفلة بين البائع والمشتري».
ولأن «الميركاتو» أصبح سنة مؤكدة في المشهد الرياضي، فإن جماهير الفرق أصبحت تعرف هوية الوسيط أكثر مما تعرف قيمة اللاعب موضوع المفاوضات، وتعرف أسماء اللاعبين الذين يرتعون تحت وصاية هذا الوكيل أو ذاك، وتعرف أن لكل وسيط قطيع.
وضعت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ضوابط لمنح الوسيط حق التفاوض في سوق اللاعبين، وسمحت لكل عابر سبيل في ملاعب الكرة بالبيع والشراء، شريطة التوفر على هاتف مشحون وشبكة علاقات مع لاعبين ومدربين ومسيرين وصحافيين، قادرين على ترويج البضاعة حتى يكتمل مشهد التسوق.
حين انتبهت جامعة كرة القدم الوطنية إلى هذا العبث الذي يسمى «فوضى الميركاتو»، أصدرت قرارا يمنع الأندية الأكثر مديونية من إبرام صفقات مع لاعبين ومدربين جدد، معلنة «الفيتو» على تعاقدات بحبر الخصاص المالي، ضمانا لرغيف اللاعبين ومعيشهم، حينها ضرب الوكلاء كفا بكف وشرعوا في البحث عن سبل جديدة للتسوق.
الآن يمكن لرئيس فريق شراء لاعب وهو في بيته، دون الحاجة إلى إعلان حالة الاستنفار التي تسبق عادة اقتناء اللاعبين، ودون توصية بسرية التفاوض. ودون الحاجة إلى أداء رسوم على الصفقات، فصور اللاعبين وأسعارهم وأعمارهم وبيانات حول أصولهم وعاداتهم الغذائية وشهيتهم للأهداف وسوابقهم الكروية، كلها موجودة في المنصات التواصلية، «بكليك» تتعرف على مستجدات السوق وأنت ممدد على سريرك، وبإمكانك إشراك خبير في التسوق أو مدرب، لتجنب اعتراض الجمهور على لاعب تم شراؤه عن بعد.
تكفي رسالة نصية للحجز والشراء، ودفع مقدم مالي من الثمن المتفق عليه، وتحديد مدة التعاقد وبنود العقد، مع خدمة التوصيل الفوري، ما يؤكد وجود غزو حقيقي لـ«ماركوتينغ» سوق اللاعبين.
هناك تطبيقات أخرى تتجاوز حدود بيع اللاعبين، بل تقدم للمسيرين خدمات إضافية، من قبيل توفير معسكرات للتدريب في الخارج بعيدا عن عيون الرقباء، وانتداب مستشهرين جدد لماركات العتاد الرياضي، ولكل خدمة طبعا ثمنها.
لكن من هم المتضررون من «الأسواق الإلكترونية»؟ إنهم فئة «الشناقة» الذين سيجدون أنفسهم في سوق لا حاجة فيه إلى وسيط بين «الكساب»، أي متعهد اللاعب، والمشتري، ولا حاجة فيه إلى جلسات سرية يتربص بها صحافيو الإثارة، ولا داعي لحجز «سويت» في الفنادق الفخمة للاعب ووكيل أعماله.
في مثل هذا النوع من الصفقات الاحتياط واجب، ومقاطع الفيديو التي تجعل اللاعب المعروض للبيع أشبه بالكابتن ماجد، يحكم سيطرته على الملعب ويفعل ما يشاء بخصومه، غالبا ما تكون خادعة، يكفي أن نستحضر قصة اللاعب عدنان أوعيد، الذي وقع عقدا مع الدفاع الحسني الجديدي دام ثلاث سنوات، ليتم اختزاله في ثلاثة أيام. قدم الوسيط هذا اللاعب في «الواتساب» وعرضه للبيع كنجم من نجوم الدوري الاحترافي التركي، لكن تبين أنه نجم في التمثيل، بعد أن أقنع الدكاليين بالتوقيع بناء على مقاطع فيديو تخص لاعبا آخر اسمه شان، يتقاسم مع عدنان الملامح نفسها.
حين انكشف المقلب قال «شناقة» الوكيل: «بحال شان بحال عدنان» وقبل أن يستيقظ صحافيو الإثارة، أصدر رئيس الفريق الدكالي بلاغ الطلاق ولسان حاله يردد: «رخيصة بتعليمة».