الزلازل أنواع، أكثرها رعبا هو الزلزال الجيولوجي الذي يدمر المباني ويعيد ترتيب المدن والقرى والمداشر على نحو مبعثر، زلزال يجعل عاليها سافلها ويمسح من الخريطة تجمعات سكنية كانت تنبض بالحياة، فيحولها إلى بؤرة ألم مهجورة وجرح لا يندمل.
تكمن خطورة هذا الزلزال الجيولولي ببعده الفيزيائي في قوة المداهمة، وفي مواعد الزيارة وتمرده على أنظمة الإشعار القبلي، لهذا خصص له الخبراء سلما يقيسون به درجات العنف، ومعهدا لتتبع خطوات الدمار ومرصدا لتقييم حجم الكدمات، ومهندسين معماريين يجتهدون لأجل بناء صامد ضد عوامل التعرية و«التعزية».
لكن بقدر ما ينشر الزلزال الجيولوجي الحزن والألم، بقدر ما يحرك في الشعوب بركة التضامن الراكدة، ويعيد تشغيل تطبيق «الإنسانية» الذي يعطله الركض اليومي وسط زحمة انشغالاتنا، وهذه إحدى مزايا الزلزال.
ليس الزلزال هو حطام المباني ومنبهات سيارات الإسعاف واختناق المقابر وندرة الأكفان وحملات التضامن، بل تتولد عنه زلازل أخرى منها ما هو اقتصادي واجتماعي ونفسي، لأن المصائب لا تأتي فرادى، بل تصر على أن تجعل لها رفيقا في درب الدمار.
في السياسة هناك زلازل ليس لها سلم «ريختر» ولا سلم أجور ولا سلم رجال الصيانة، الزلزال السياسي قد يكون أسوأ من الانهيار الجليدي ومن «تسونامي» وإعصار كاترينا أو من جائحة كورونا في أوج عطائها، حين يطيح بزعيم التصق بكرسي الزعامة، أو يعيد ترتيب تركيبة حكومية، أو يحدث تصدعا في سقف حزب مهدد بالانشقاق.
لأهل الفن زلزالهم المدمر، الذي يجتاح القطاع ويحول أبناءه إلى يتامى، ينتظرون على قارعة الطريق التفاتة حكومية تحول دون تحويلهم إلى نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
في عالم الكرة ارتدادات وهزات ناتجة عن هزائم فوق رقعة الملعب، لكنها لا تصل إلى مستوى الفاجعة، إذ لا تنجم عنها أموات ولا حاجة لها بمقياس «ريختر» ولا خلية أزمة ولا دموع. إنها من فصيلة الزلازل الكاتمة للصوت، حتى ولو تعلق الأمر بخروج مذل لمنتخب، أو سقوط رئيس في شراك الفضيحة.
يؤمن رؤساء الأحزاب السياسية أن الهزيمة في الاستحقاقات الانتخابية هي بمثابة ارتدادات قد تنتهي بزلزال يطيح بزعيم عمر طويلا. كما يؤمن رؤساء الفرق في بطولتنا بأن الخسارة في المباريات المصيرية التي تعلق عليها الجماهير آمالها، زلزال مدمر.
ليس الرؤساء ومن يدور في فلكهم، هم وحدهم المهددون بالدمار، بل إن عددا من المدربين وجدوا أنفسهم تحت الأنقاض، بسبب هزيمة مذلة، وأصبحت أجسادهم مستباحة لنهش الأقلام.
خرج الوداد من عرس «الموندياليتو» ، فحصلت ارتدادات في مكتب الرئيس، وحين كشفت محطة إذاعية عن بؤرة الزلزال، أصدر الرئيس قرارا بقطع العلاقات «الإعلامية» مع المحطة، في انتظار سحب السفير وإغلاق مكتب الاتصال.
هناك فئة من الرؤساء لا تريد أن يكون لنا نحن معشر الصحافيين سلم «ريختر» نقيس به درجة الدمار، ولا معهدا للإشعار الاستباقي، لأنهم يؤمنون أن علاج الزلزال يأتي باستقطاب نجم الشباك وبانتصار على الجار.
أما رئيس الرجاء فقد قبل رئاسة الفريق، وهو على منطقة زلزالية نشطة، لم يهتم بتحذيرات خبراء الجموع العامة، واعتبر الأزمة مجرد زلزال للوئام، وحين تبين أن الصرح آيل للسقوط أطلق صفارات الإنذار ونداء الاستغاثة، إيمانا منه بأن جمع الهبات قبل استشعار الدمار أحيانا.
نحن في زمن يأتي فيه لمكاتب أندية الكرة رئيس على متن سيارة أجرة، أو سيارة مؤجرة، ويغادر مقر النادي بعد عمر طويل على سيارة عشارية الدفع. نحن في زمن يصنع فيه رؤساء الفرق الزلازل على مقاسهم، يجندون فرق استشعار قبلي من المخبرين والمتعاطين للصحافة، وشعراء مديح يذكروهم بالقول الغيواني:
ما هموني غير الرجال إلى ضاعو لحيوط إلى رابو كلها يبني دار.
حسن البصري