شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

زراعة القنب الهندي منذ 1919 إلى اليوم قصص منسية من زمن الظهائر ومحاولات التقنين

 

«لولا استهلاك المغاربة للتبغ منذ 1599، لما عرفوا القنب الهندي لاحقا. عندما اقترب أفول الدولة السعدية دخل التبغ لأول مرة إلى المغرب في أجواء طريفة تستحق فعلا أن تُروى.. وبعد أن صار المغاربة يُدخنون التبغ، أصدر علماء القرويين فتوى بتحريم التدخين، وخرج لهم عالم من تمبوكتو كان يقيم في مراكش لكي يبيح التدخين ويُعدد محاسنه.

وفي سنة 1604، في بداية الدولة العلوية، كان أحد من شاركوا في كتابة الرحلات الحجازية من المغرب إلى الحج، قد أخذ معه عينات من نبتة التبغ وجعل المصريين يتعرفون عليها وعرضها عليهم في قلب جامع الأزهر، وانتشر التبغ بعدها في الشرق.

عندما يتعلق الأمر بالقنب الهندي، يختلف الأمر بحكم أن زراعة هذه النبتة مرت بمحطات كثيرة، إلى أن عرفت طريقها إلى التقنين أخيرا».

يونس جنوحي

++++++++++++++++++

تقنين القنب الهندي.. الأمل الوحيد أمام المُزارعين منذ 1963

منذ استقلال المغرب، كانت تبعات القوانين التي هندسها المقيم العام في الرباط منذ 1919 إلى حدود 1954، والمتعلقة بتقنين زراعة القنب الهندي، تجثم بظلها الثقيل على صدور الأهالي والمزارعين.

عندما أجريت أول دورة انتخابات جماعية في المغرب، كان ملف زراعة القنب الهندي واستهلاك الكيف الملفين الأكثر بروزا على لائحة احتياجات ومطالب سكان أقاليم واسعة انتشرت فيها هذه الزراعة.

ومنذ ذلك الوقت، جرت محاولات كثيرة قادتها وزارة الداخلية منذ عهد الوزير الاستقلالي إدريس المحمدي، إذ عمدت الوزارة إلى شن مجموعة من الإصلاحات لتحسين حياة السكان، مثل توزيع الحبوب وتشجيع الزراعة المعيشية واستبدالها ببذور القنب الهندي، لكن التجارب باءت كلها بالفشل ولم تحقق النتائج المرجوة منها.

وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي، شملت الإصلاحات توزيع رؤوس الأغنام والماعز على المزارعين لتشجيع نشاط الرعي ليحل محل زراعة القنب الهندي. إلا أن المبادرة باءت بدورها بالفشل، بحكم الإجراءات والمساطر الإدارية المعقدة التي تم اعتمادها، والتي جعلت الأهالي يعانون مع رؤوس الأغنام والماعز التي وُزعت عليهم، إلى درجة أن نفوق رؤوس الأغنام كان كابوسا يهدد الأهالي والمزارعين، إذ كان يُمنع عليهم دفنها، ويضطرون إلى إخطار السلطات أولا بنفوقها، وهو ما كان يستغرق ساعات طويلة قبل التخلص منها.

عندما أثير موضوع تقنين زراعة القنب الهندي بالصورة التي صدر بها حاليا، والتي لقيت تشجيعا وترحيبا من مختلف الفاعلين، أصدرت جمعية «صنهاجة الريف» سنة 2012 تقريرا مفصلا يصف حالة المنطقة بناء على معطيات عممها تقرير تابع للخارجية الأمريكية. ورسمت الجمعية ملامح قاتمة للمنطقة، بدا من خلالها أن الحل الوحيد لتغيير واقع الأهالي والمزارعين، هو تقنين زراعة القنب الهندي وإنهاء التسيب والأنشطة غير القانونية. جاء في التقرير ما يلي:

«المنطقة تشهد تدميرا ممنهجا لإرثها العمراني ولمواردها الطبيعية من مياه جوفية وغابات الأرز وأمام مرأى السلطات المحلية وبتشجيع من بعض المنتخبين.

مزارعو الكيف مهددون بالمتابعات بسبب الشكايات الكيدية المجهولة المنتشرة في المنطقة، والتي يستغلها بعض المنتخبين وتجار المخدرات لتصفية حساباتهم الضيقة معهم.

المنطقة تشهد توسعا للمساحات المزروعة بالكيف على حساب القطاع الغابوي، وليس هناك أي تدخل للدولة من أجل الحد من هذه الظاهرة على أرض الواقع.

المنطقة تشهد اجتياحا للبذور الهجينة التي حلت محل زريعة الكيف التقليدية، حيث طفت على الساحة تجارة مربحة قائمة على بيع هذه البذور التي يصل سعر الحبة الواحدة منها إلى 12 درهما، بالرغم من آثارها السلبية على البيئة وعلى الصحة العقلية للمدخنين.

المنطقة تعرف حصارا أمنيا خانقا زاد من الأزمة والركود الاقتصادي بها.

ورغم توفرها على مؤهلات سياحية وطبيعية من شأنها الدفع بعجلة التنمية بها، إلا أن الدولة والمنتخبين لا يعيرون المنطقة أدنى اهتمام.

المنطقة تعرف عزلة إقليمية ووطنية لافتقارها لمنفذ على الطريق الساحلي وتضعضع طريق الوحدة والطريق الوطنية رقم 2 و8».

هذه الوضعية، وبأجماع الفاعلين، لم يكن هناك أي سبيل نهائيا للخروج منها، سوى بتفعيل قوانين تقنن زراعة القنب الهندي وتؤطر العملية في إطار قانوني واضح، يوجه الإنتاج إلى الأغراض الدوائية والصناعية وليس إلى جيوب تجار المخدرات، وهو ما تم فعلا بعد اعتماد أول محصول السنة الماضية في ظل القانون الجديد.

 

هل تعود الحياة إلى القرى بعد العفو الأخير عن مُزارعي القنب الهندي؟

كل الذين يعرفون حجم مأساة أهالي وأسر مزارعي القنب الهندي قبل تنظيم القطاع وتقنين الزراعة، يُدركون حساسية موضوع السجناء والمبحوث عنهم بسبب زراعة القنب الهندي. هؤلاء الفلاحون هم في الحقيقة أحفاد مزارعين اعتمدوا هذه الزراعة سبيلا وحيدا للعيش منذ أكثر من قرن ونصف، منذ وصول نبتة القنب الهندي إلى المنطقة قادمة إليها من وراء البحر.

جمعيات ومنظمات دقت ناقوس الخطر، خلال السنوات العشرين الأخيرة، بسبب الكوارث الإنسانية التي تعرفها مناطق زراعة القنب الهندي، وتغول للخارجين عن القانون وترويعهم لحياة المزارعين البسطاء الذين زادت النبتة من تعميق مشاكلهم الاجتماعية، خصوصا وأنهم كانوا مجبرين لسنين طويلة على بيع محصول القنب الهندي بأسعار زهيدة جدا، ويكلفهم الأمر في النهاية الدخول في مشاكل مع السلطات، تصل إلى حد صدور مذكرات بحث في حقهم أو مداهمة منازلهم لمصادرة المحاصيل قبل بيعها.

تقنين زراعة القنب الهندي وتوجيه المحاصيل إلى الاستعمالات الطبية والدوائية، واستعمال البذور التي تزود بها السلطات المختصة المزارعين، كلها خطوات غيّرت حياة المزارعين ومن شأنها أن تغير ملامح المنطقة كاملة في غضون سنوات قليلة فقط. لكن بقي مشكل المبحوث عنهم، الذين يقضون عقوبات سجنية بسبب الزراعة، إلى أن جاء العفو الملكي الأخير لإنهاء معاناة الأسر.

قصة المغاربة مع زراعة القنب الهندي تبقى واحدة من أكثر القصص التاريخية إثارة، بحكم أن عادة التدخين ظهرت في المغرب خلال السنوات الأخيرة من حكم الدولة السعدية، كما سوف نرى في هذا الملف، عندما جاء مرافقو قافلة من الفيلة إلى المغرب ووصلوا بها أولا إلى مراكش، ومنها انتقلوا إلى فاس ليشاهد المغاربة حيوانات الفيلة لأول مرة. كان هؤلاء العبيد السود الذين يصحبون الفيلة يدخنون بشراهة نبتة التبغ، وأحضروا معهم كميات منها وبدأ يشيع استهلاكها بين المغاربة. حصول المغاربة على عينات من هؤلاء العبيد المتحدرين من السودان والنيجر، شجع على انتشار التدخين، إلى أن وصل الأمر حدا أزعج العلماء، خصوصا وأن الانتشار الأول للنبتة كان في صفوف الطبقات الدنيا من الخارجين على القانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى