زاوية النظر 3/1
اجتمع القاصي والداني على تثبيت مسؤولية ضعف الشرق على عاتق الغرب، مثلما اجتمعوا على الاستحياء من العرفان لتأثير هذا الأخير في الحياة من منبه الاستيقاظ وحبة الأسبيرين وبوق المسجد إلى طبع هذه الجريدة وتحرير هذه الأسطر التي بين يدي القارئ الآن. فنقط التماس الساخنة بيننا وبين الغرب بالخصوص، والتي يراد لها البقاء لعدة أهداف منها تغشية الوعي لمنعه من إلقاء المسؤولية على النفس قبل الغير، المفتاح الأول والأخير للنهضة، وهي النقط التي تعتبر معالجتها آخر ما يمكن مناشدته لو عاد الصواب للعقول ورفع غشاء العواطف والحماس عن البصائر.
فالسبب الحقيقي لهذا الضعف هو من ضعف العنصر البشري في الأصل، وليس من قوة الغير وجبروته حتى وإن صب الوضع لصالحه ليبسط سطوته ونفوذه، فخلية البناء الوحيدة للمجتمع وللدولة القوية كما الضعيفة هو الفرد، كما أن أبعاد العلاقة بين القوي والضعيف لن تتغير بتغير المواقع وستبقى هي نفسها منذ بداية التاريخ، بدون أن يشترط وجودها دينا بعينه أو أي عنصر آخر من عناصر الخصوصية. وهي الأبعاد التي تختزل في وفرة الفرص التي يغتنمها القوي، نذرتها بالنسبة للضعيف مع سوء استغلال المتاح منها، فرض القوي لرؤيته ولتصوراته على الآخر. وهي نفسها عناوين مضمون خطاب المظلومية الخفيف على النفوس والمطيب لراحتها، بتزكية النفس وتبرئتها مع تعليق المسؤولية في نفس الوقت على الغير وتدنيسه، بالتركيز على صور حقيقية وليست مقلوبة، غير أن فهمها هو المقلوب على عقبه، لأن الأصل فيها هو انعكاس لسبب، وليست سببا للاستضعاف في حد ذاته. مما يبقي الوعي مقلوبا على عقبه بمساهمة القوي نفسه في إطار سعيه إلى تأمين مقومات هذا الترتيب إلى أقصى مستقبل ممكن. فالدخول في دوامة الاستغلال يسبقه الضعف والضعف بيد صاحبه أولا وأخيرا.
عندما يفرض القرآن على المستضعفين داخل الأمم حل هجرة المكان، فهجرة السبب هي الفرض على الأمة المستضعفة، ولن يكون الحل في التشبث بالسبب تحت رعاية مخدر خطاب الأمة المظلومة والديانة المستهدفة، الذي أثمر في أقصاه فكرة الصدام بقدم هزيلة وصدر عليل، وأثمر في أدناه أمنية تصحيح الترتيب بانتظار انهيار القوي واندحاره، ولو بخط الأدعية على شاشة من صنعه ورابط من تصنيعه كأضعف الإيمان الإلكتروني المتقدم؛ رغم أن المعادلة من أبسط ما يستوعب فهمه بشرط ترك العواطف، بحيث إن مجموع جهد القوي وعمله لم يوجد أصلا لخدمة مصالح الضعيف ولحل معضلاته، فهل يكون ثلثا البشرية من الفقراء من غير المسلمين ضحايا بدورهم لصراع إيديولوجي معين، أم أن استضعافهم هو نتيجة تمسكهم بأسباب الضعف ومقوماته الطبيعية قبل المصنعة؟