في هذا الحوار المترجم الذي أجرته معه مجلة «باري ماتش» حول كتابه «ديكتاتورية الإنجاب»، يشرح البروفيسور رينيه فريدمان، رائد تقنيات المساعدة الطبية على الإنجاب، كيف أن هذه التقنيات في طريقها إلى أن تفتح على البشرية أبواب جهنم، مؤكدا أن انفلاتها ومروقها المتواصل عن دائرة الأخلاق، سيدمر قريبا مفهوم الإنسان والأسرة بالكامل، وينهي الحاجة إلى الجنس، ويخلق أشكالا مشوهة من التناسل يستنسخ فيها الشخص في النهاية نفسه، داعيا إلى أن يعود البحث العلمي في مجال الإنجاب إلى الالتزام بالقيم، حاثا الجميع على التحرك العاجل، قبل حلول الكارثة.
ترجمة: د. خالد فتحي
س: باعتبارك رائدا في التخصيب خارج الرحم، هل لاحظت انحرافا، فسميت كتابك «طغيان الإنجاب»؟
ج:. كطبيب ولادة رافق ما يقرب من 3000 ولادة، تعلمت على السواء احترام كل من الرغبة وعدم الرغبة في إنجاب طفل. ما يقلقني هو تغير العقليات، واعتقاد من يواجهون مشكلة الخصوبة بأن التقدم العلمي يجعل «كل شيء ممكنا». عندما يتعلق الأمر بالمساعدة على الإنجاب، ونظرا إلى الطلب المتزايد، فإننا نلاحظ انحرافات مرتبطة بالجهل برهانات الطب الإنجابي من قبل الجمهور، واستغلالا تجاريا. يجب تنظيم مجتمعنا، وترشيد الطب، والانتباه إلى تقنيته كي لا نتجاوز حاجز الأخلاق باسم «الحق» في الأبوة. فإنجاب طفل كان دائما مجرد احتمال، الآن، نسجل أن هناك فكرة «طفل بأي ثمن» أو الطفل «عندما أريد»، تفرضان نفسيها، وهناك استيهامات حول مستقبل قادم نتخيل أن ننجب فيه الطفل «الذي نريد وكما نريده».. طفلا مبرمجا بخصائص عقلية جسدية معينة. وعندما يكون طلبا ومحتاجين، يكمن لهم المشعوذون في المنعطفات. تقوم العيادات الخاصة بوضع «خطط عمل»، وفي هذا السياق، يتعرض بعض أطباء الإنجاب للضغوط. إنهم يواجهون رغبات جامحة للحصول على الأطفال من أشخاص مهووسين بالنجاح. إن «طغيان الإنجاب» صار مصدرا للمعاناة النفسية والتوتر وللممارسات غير النزيهة.
رقم قياسي لحالات الحمل.. حمل في الثمانين
س: هل حالات الحمل «الاستثنائية» التي تنشرها الصحافة تغذي هذا الخيال؟
ج: الحمل الطبيعي بعد سن 50 نادر، لكننا نرى نجمات فاقت أعمارهن 50 سنة ببطون منتفخة ورضع أمام الكاميرات.. لقد استفدن، ولا غرو، من التبرع بالبويضات، ولكن لا حديث حول ما سيعنيه تعميم هذه الممارسة المتعلقة بالإنجاب في سن متقدمة بشكل متزايد مجتمعيا، هذا تسويق للوهم. ما سيتذكره الناس من هذه القصص «الرائعة»، هو أن كل شيء ممكن. علاوة على ذلك، هناك حالات أثارت ضجة كبيرة: ففي سن 63 أنجبت الإيطالية روزانا ديلا طفلا، وأصبحت مانجاياما ياراماتي، وهي هندية لها 74 عاما، أما لتوأم. هذا الرقم حطمته «برابها ديفي»، ذات 75 عاما، والتي أنجبت طفلا من أب له 80 عاما. وفي مؤتمر بالهند، اندهشت لشهادة عازب استخدم أمين بديلتين في الوقت نفسه، إرضاء لوالدته العجوز كي تصبح جدة. في أمريكا، وجدت نادية سليمان الأم لـ6 أطفال، طبيبا نقل لها 8 أجنة.
س: لكن الأخلاقيات توصي بنقل 1 أو 2 فقط؟
ج: هناك من يخرج عن القاعدة. هذه الأم، حققت جنونها، وحازت لقب «الأم الخارقة».
هذه القصص «الاستثنائية» تخلط بين الرغبة في إنجاب طفل، وحق مزعوم في الأبوة يمكن التمتع به في أي وقت من الحياة.
بعض القصص «دنكيشوتية»: نجمة التلفزيون آنا أوبريغون حصلت على طفل في عمر 68 عاما، عبر تأجير للرحم بفلوريدا. بالحيوانات المنوية المجمدة لابنها الوحيد، الذي توفي عن عمر 27 عاما بالسرطان. وهكذا «أتت» بترصد بطفل يتيم مبرمج اليتم. هذا سفاح قربى من الدرجة 2، وتجاوز من جدة تريد أن تكون أما بأي ثمن مرفوض أخلاقيا. فلتنزيل هذا الخيال، تم «استئجار» رحم غريب في إطار علاقة تعاقدية تنظم التخلي عن الطفل بعد ولادته. وبطبيعة الحال تحدثنا الكوميدية الشهيرة عن شيء آخر: «لقد وصل نور مليء بالحب إلي وأضاء عتمتي. لن أكون وحدي». لا يهمها أن يكتشف الطفل أنه ابن جدته وأبيه المتوفي وامرأة مجهولة.
س: ألا ترون أن هذا المناخ يتعزز من خلال الخطاب الاجتماعي الذي «يبالغ في تقدير الأمومة، وفي تقدير الحمل»؟
ج: ليس سهلا لنساء وقعن بين توجيهات متناقضة أن يجدن التصرف بسواء: هناك الرغبة في المساواة مع الرجال، مع دراسات أطول ومهن شاقة. وهناك الضغوط الثقافية والاجتماعية والأسرية القائمة التي تجعل الأمومة إنجازا أساسيا، وواجبا وطنيا، وخصوصا مع انخفاض معدلات المواليد. وهكذا، فعدم الإنجاب يعتبر فشلا. في الوقت نفسه، هناك الفردية وتعقد الحب والزواج.
الحقيقة هي أن سن الرغبة في الأطفال قد تأخرت خلال الأربعين سنة الماضية، وخاصة في المدن: صارت 31 عاما، بينما تنخفض خصوبة المرأة بشكل حاد ابتداء من 38 سنة.
س: هل تم تقليص «نافذة إطلاق النار»؟
ج: نحن نتجاهل الساعة البيولوجية، ونظن بأن العلم بتقنية كفأة من تقنيات الإنجاب سيوفر دائما حلا عند وجود صعوبة. ولذلك يواجه الأطباء نساء في «السن الحرجة» يطالبونهم بمحاولة المستحيل حتى ينجبن.
س: بطريقة ما، هل صار الطب أداة دون حمولة أخلاقية؟
ج: هو يدمج بشكل متزايد مفاهيم الرفاه. ومع ذلك، لا ينبغي أن يستخدم كغطاء للانحراف. إنه أمام الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا الطبية يجب أن نطرح الأسئلة الاجتماعية الضرورية: صعب في عصرنا أن تنجب وتعمل. في الشركات الكبرى، بدؤوا في فهم العلاقة بين الأبوة والأمومة المسهلة – وساعات العمل المرنة، وإمكانيات رعاية الأطفال في الحضانة والبيت من جهة، والفعالية والكفاءة في العمل من جهة أخرى. إننا نحتاج أيضا إلى الحفاظ على الخصوبة بالوعي بآثار التبغ، والمكملات، والمبيدات، والإجهاد، بدلا من الشعور بأن للأطباء دائما حل يقدمونه.
س: يعد تجميد البويضات أحد الحلول الآخذة في الارتفاع. وبالتالي، يمكن للشابات أن يحتفظن بفرصة الحمل في سن متأخرة؟
ج: في بعض البلدان، يتم تنظيم «حفلات التجميد»، وهي لقاءات ترويجية تستهدف استقطاب المدعوات لسوق مربحة، حيث يقدم حل سحري للعملاء: حفظ احتياطيات الشباب للأزمنة العجاف. هذه «التقنيات» تدمج الولادة في جدولة معينة، ولم لا تأخيرها حتى يصبح الوضع المهني أكثر ملاءمة، وحتى لقاء فارس الأحلام، أو حتى تقرير الإنجاب كأم عازبة في أي وقت.
في البداية، تم تطوير تجميد البويضات لمساعدة الشابات اللواتي يعانين من السرطان، لأن علاجهن له عواقب ضارة على المبيضين، ثم وقع الانحراف.
س: إذن صرنا نرى أن تقنيات الإنجاب ذات الأهداف العلاجية عادت تستعمل للاستجابة للمطالب ذات الطابع الاجتماعي؟
ج: بالضبط، وتمتد هذه المطالب المجتمعية بشكل متزايد إلى الفئات المستبعدة سابقا من خطط الإنجاب (المسنات، والعازبات، والمولودات بدون رحم، والمثليون). في يوم ما ستكون هناك طلبات لأطفال مستنسخين، معدلين، معززين، ومطورين خارج الرحم.. فهل نعارض هذه التطورات؟ لا، لكن علينا أن نفكر في الحدود. وهذا من الممكن، جدا. فمثلا هناك حظر الاستنساخ الآن لأغراض التكاثر في معظم البلدان. لهذا يجب علينا اليقظة بخصوص التداعيات الأخلاقية لكل حالة وتقنية على حدة.
س: ألا تخاف من هذا التجديف ضد التيار؟
ج: لم أعد أهتم. أنا لا أعارض التقدم: لكن أعتقد أنه يجب علينا التفكير في الانحرافات. وهذا ما قمنا به بمنع تأجير الرحم، أي تجريم تلك الإمكانية التي تتيح لأشخاص يتوفرون على المال وضع يدهم بعقد على رحم امرأة تنتقى بمواصفات جسدية وجمالية، ويجري تعويضها ماديا كي تحمل جنينا تم تخصيبه بتقنيات الإنجاب، وتتخلى عنه بعد الولادة، وهكذا انتهينا لعبودية حديثة تخدم «الحق» في الأبوة للأثرياء ومصالح الوسطاء. هناك جانب مظلم لهذه التجارة: ففي أوكرانيا حيث لا يُحظر تأجير الأرحام، لم يُعهد بالأطفال الذين ولدوا لأمهات بديلات، بسبب الحرب إلى آبائهم بالتبني، وأغلبهم من الصين خوفا من ارتباط الحاضنات بالأطفال. وضعوا في دور الحضانة في انتظار أيام أفضل، وذلك إنكار لاحتياجاتهم العاطفية.
انحرافات جديدة
س: مع توسع مجال المعرفة، هل تظهر احتمالات انحرافات جديدة؟
ج: ربما يظهر ما أفظع، للمستثمرين خيال خصب: يوجد الآن باحثون يطالبون بالاستفادة من أجساد النساء، في حالة موت دماغي، ليحملن طفلا لآخرين في أحشائهن. الصورة ليست دقيقة، فمن جهة أخرى هناك أيضا تقدم هائل. على سبيل المثال، نجحت عملية زرع الرحم لأول مرة في فرنسا عام 2021 وأتاحت ولادة طفلة. وهذا أمل للمولودات بدون رحم (واحدة من كل 5000 فتاة عند الولادة). لكن هذا، لا يعني أن «كل شيء ممكن». زرع رحم ليس طريقا مفروشا بالورود، المضاعفات ممكنة. ومن بين 100 امرأة، يتم اختيار امرأة واحدة فقط للزرع. كما أن 20 في المائة من الأرحام المزروعة لا يحدث فيها حمل، أو أنه يتوقف. علاوة على ذلك، عندما تعطي الأم رحمها لابنتها، فماذا عن الرجل الأب، الذي عليه أن يتقبل هذه الهبة من الأم لابنتها؟ وهذا ينطبق على جميع تقنيات التبرع، سواء بالنطف أو الجنين أو الرحم. من ناحية أخرى، هناك مسألة الآخر الدخيل.
س: وهنا، مرة أخرى، هل يمكن أن نشهد استقطابا تجاريا؟
ج: هناك مليون امرأة في العالم بدون رحم، لأسباب خلقية أو جراحية. كما هو الحال في عمليات زرع الأعضاء، هناك عرض وطلب وسوق وتجارة. تقدم سلاسل العيادات عمليات زرع الرحم في دول كالهند أو ماليزيا أو تونس، دون الإشارة إلى أصل العضو المزروع، أو شروط استئصاله من عند المتبرع، ودون التثبت من خبرة الأطباء. كما هو الحال مع التقنيات الأخرى للإنجاب. فإن جمهورا جديدا يتشكل ليطرق بابك. يرغب بعض الجراحين في تخفيف المحظورات على عمليات زرع الرحم، حتى تتمكن النساء المتحولات من الاستفادة منها.
بالفعل، بعد الإخصاء وإزالة القضيب، وإعادة بناء المهبل بجلد كيس الصفن، تصبح هناك إمكانية للجنس، ولكن لا إمكانية للحمل. ولذا قد تكون الخطوة التالية هي التبرع بالبويضات وزرع الرحم. سنصل إلى هذه المرحلة حتما.
في إطار
حمل الرجل وحمل في الآلات
س: هل حمل الرجل صار قريبا؟
ج: اكتسبت الفكرة بعض الأرضية. فبمساعدة هرمون معين، يخطط البعض لخلق ظروف مواتية للحمل خارج الرحم (في تجويف البطن). وهذا حمل خطر يؤدي إلى مضاعفات والوفاة، عندما يحدث لدى المرأة، فكيف نفكر في اصطناعه واختلاقه عند الرجل؟
س: هل سنصل يوما ما إلى تحقيق الحمل الكامل في الآلات؟
ج: هذا خيال علمي! لكن الأمور تتسرع. وحان وقت التفكير في الآثار المترتبة على الرحم الاصطناعي.. فأن يتم حمل الأجنة في المختبر، وإيواؤها في الحاضنات طيلة فترة الحمل، فذاك يعني أن الحياة الجنسية البشرية لن يعود لها علاقة بالإنجاب. يبدو هذا بعيدا، لكن الإمكانية موجودة، فبعض الأبحاث الحالية تقودنا إلى هذا الاتجاه. هناك من يعتبره تحريرا للمرأة من الحمل، ومساواة مع الرجل..
علينا أن نجيب جماعيا عن هذا السؤال: ماذا نريد؟
س: كل هذه الاحتمالات تبدو غير واقعية إلى حد كبير؟
ج: إنها ليست اليوم أو غدا، ولكن لبعد غد: هناك الآن مثلا تكوين الأمشاج في المختبر، أي الحصول على بويضات أنثوية أو حيوانات منوية من الخلايا الجذعية. ولقد نجح اليابانيون في إنتاج بويضات من جلد فأر ذكر. هذه المعرفة، يمكن أن توفر يوما ما حلا للرجال الذين لا ينتجون حيوانات منوية، أو للنساء اللواتي يعانين من انقطاع الطمث المبكر. من الواضح أننا نستطيع إنتاج أمشاج خاصة بنا، والتي يتم الحصول عليها بشكل مصطنع عن طريق الاستنساخ، ولكن من إنتاجنا. بمجرد أن يصبح هذا جاهزا وممكنا، سوف تنهال طلبات الأزواج المثليين والمثليات. وبدلا من استخدام الحيوانات المنوية من متبرع، فإنهم يفضلون أن يتم إجراء الإخصاب باستخدام البويضة من إحداهما، وحيوان منوي جديد مصنوع من الخلايا الجذعية المستحثة من الأخرى. ومن ثم، فلا يستبعد أنه في يوم من الأيام، يمكن من الخلايا التي تم الحصول عليها عن طريق استنساخ شخص ما، الحصول على الأمشاج الذكرية والأنثوية في الوقت نفسه. ومن ثم سيكون هذا هو جوهر الذات المهيمنة، حيث لن تكون هناك أية حاجة إلى الآخر لإنتاج طفل. وهكذا ستكون لنا إعادة إنتاج أنفسنا إلى ما لا نهاية. ويمكن للمرء في هذه الحالة أن يتخيل ما كان لهتلر أن يكسبه من مثل هذه التقنية.