رياضة وطنية اسمها التحرش
ما يحدث هذه الأيام من اعتداءات لفظية وجسدية ضد النساء في الفضاء العام ليس جديدا، بل الجديد هو أن وسائل الإعلام أصبحت مهتمة بالموضوع بفضل منافسة مواقع التواصل الاجتماعي لها.
وشخصيا أعتبر أن السبب الرئيسي في كل هذه الحوادث ليس هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يريد هؤلاء تصويره، بل يتعلق الأمر ببساطة بجريمة اسمها التحرش.
وبسبب انتشار واستفحال هذه الجريمة، وضعت اليومية البريطانية ذائعة الصيت «الديلي مايل» المغرب ضمن قائمة الدول العشر التي يجب على النساء تفادي زيارتها، وهي دعاية سلبية تضرب في الصفر كل الحملات الإشهارية الغبية التي يهدر عليها وزير السياحة لحسن حداد المليارات سنويا.
أحسن شيء يمكن أن يهدى للمرأة المغربية ليس هو حملات التضامن والوقفات الاحتجاجية، بحيث يلبس الرجال الصايات، بل تشديد القوانين الزجرية ضد هواة هذه «الرياضة الوطنية»، التي لم تعد تستثني حتى السائحات الأجنبيات وموظفات المصالح القنصلية الدولية.
إن الحل للقضاء على هذه الظاهرة المرضية، التي أصبحت تهدد السياحة الوطنية وصورة المملكة والسلامة الجسدية للنساء، هو إعمال القانون بصرامة وقسوة ضد كل من تسول له نفسه التحرش بالنساء في الأماكن العامة. «اللي تبسل على شي بنت أو سيدة عام ديال الحبس، وديك الساعة اللي عندو شي يد غادي يشدها عندو، واللي عندو شي لسان طويل غادي يربطو مع فمو، واللي عندو شي حموضية يخليها تخمر عندو لداخل».
أما بالنسبة للنساء اللواتي يستعملن وسائل النقل العمومي للتنقل إلى مقرات عملهن أو قضاء أغراضهن، فإن أحسن هدية يمكن أن تقدم لهن هي تخصيص وسائل نقل خاصة بهن تفصلهن عن تحرشات «السمايرية» من الرجال.
ولن يكون المغرب استثناء في هذا المجال، بل إن هناك دولا كثيرة قررت بلديات مدنها تخصيص أماكن للنساء في بعض وسائل النقل العمومية. وإلى جانب الهند والبرازيل واليابان، انضمت في السنوات الأخيرة بلدية مكسيكو سيتي إلى المدن التي تخصص حافلات للنساء فقط.
فمن كثرة التحرشات التي تتعرض لها نساء هذه البلدية في الحافلات من طرف الرجال، قرر أعضاؤها بالإجماع تطبيق جدار للفصل الجنسي بين الرجال والنساء.
وأستطيع أن أجزم بأن مجلس مدينة الدار البيضاء أو الرباط أو مراكش، مثلا، إذا قرر تطبيق هذا القانون وخصص حافلات للنساء وأخرى للرجال، فإن المجلس سيتلقى دعوات صالحة من كل النساء، لأن محنتهن داخل الحافلات لا تعلمها إلا الراسخات في ركوب الطوبيسات ذهابا وإيابا كل يوم.
ولعل أحد أسباب ارتفاع مبيعات السيارات الاقتصادية في المغرب هو التحرش بالنساء في وسائل النقل العمومية. وهناك اليوم عدد كبير من النساء العاملات في القطاع الخاص وموظفات السلالم المتوسطة يخترن الاستثمار في شراء سيارة على الاستثمار في شيء آخر.
وعندما تدخل المرأة إلى سيارتها فكأنها تدخل إلى عالم يشكل امتدادا لبيتها، وليس الأمر مشابها لدخولها الطوبيس، حيث يتحول جسدها إلى ملكية مشتركة بين الراكبين، بعدما تضيع سيطرتها عليه وسط الزحام. فتحت ذريعة الاكتظاظ، يسمح بعض الراكبين لأنفسهم بممارسة رياضتهم المفضلة في اللصيق خلف الراكبات، ومنهم من يفضل لو أن كل الطوبيسات كانت بلا مقاعد، لكي تكون جميع الراكبات مجبرات على الوقوف.
يجب أن نقولها بكل صراحة ووضوح، هناك اليوم محنة حقيقية اسمها التحرش تعيشها النساء المغربيات في شوارع المدن وفي وسائل النقل وفي أماكن العمل. وما زال بعض الرجال يعتبرون أن توقيف المرأة والتحدث إليها في الشارع العام حق من حقوقهم المكتسبة.
أما في القطار فهناك متخصصون في البحث عن المقصورات التي توجد بها فتيات، ومنهم من يترك كل الأماكن الفارغة في القطار ولا يحلو له سوى مقعد مقابل لامرأة تجلس وحيدة، فيأتي ويجلس قبالتها ويسألها ذلك السؤال البليد الذي يقول «الأخت خدامة ولا مازالة كاتقرا» ؟
فالعقلية الرجولية المتخلفة لبعض المغاربة تفترض أن كل امرأة تجلس وحيدة في القطار أو الحديقة أو المقهى هي امرأة «كاتقلب على شي حاجة»، وإلا لماذا هي جالسة لوحدها؟
بجولة سريعة في شوارع المدن المغربية، يمكن أن ترى وتسمع عشرات الرجال يتحرشون بالنساء أمام الملأ، مسلحين بقاموس خاص من الكلمات التي تختلف رقتها أو رعونتها حسب رد فعل الضحية.
ولهؤلاء المتحرشين المحترفين دراية كبيرة بنفسية المرأة المغربية، فهم يحفظون جملا في الغزل، أحيانا تكون من «السمطة لتحت»، ومجاملات غزلية مصاغة بعناية شديدة لا يتوقفون عن ترديدها على مسامع كل الفتيات اللواتي يصادفوهن في الطريق.
وبعضهم لديه أوقات محددة لممارسة هذه الرياضة، فتجده لا يمارسها إلا مساء بعد الخروج من العمل، والبعض الآخر متفرغ لها طيلة النهار، بمجرد ما يضع رجله في الشارع حتى يبدأ الحركات التسخينية الأولى للسانه. لحسن حظهم أن اللسان لا يصاب بالكلاكاج، وإلا لكان أغلبهم أصيب باللقوة.
غالبية الرجال في المغرب يعتقدون أن القانون لا يعاقب على التحرش بالنساء في الشارع، وأن التغزل أو شتم النساء والفتيات هو حق مكتسب. والواقع أن القانون واضح في هذا الباب، فالتحرش معاقب عليه، ويمكن أن ينتهي بصاحبه أمام القاضي إذا قررت الضحية أن تتابع المتحرش بها.
وهنا لا بد أن نفتح قوسا لكي نطرح سؤالا، هل كل النساء والفتيات لديهن موقف سلبي من هؤلاء الرجال الذين لا يستطيعون رؤية واحدة منهن دون أن يهمسوا في أذنها بكلمة غزل أو جملة مثيرة ؟
لا أعتقد، فهناك نوع من النساء إذا خرجن إلى الشارع ولم يسمعن كلمات الإطراء والإعجاب تتقاطر عليهن من أفواه الرجال يعدن إلى البيت مصدومات وهن على وشك الوقوع في أزمة عصبية، فيجلسن أمام المرآة وهن يبحثن عن السبب الكامن وراء تجاهل الرجال لهن. هؤلاء نساء مريضات بصورتهن ومظهرهن الخارجي، يبنين رضاهن عن أنفسهن بكثرة التعاليق التي يثرنها خلال استعمالهن للفضاء العمومي.
وبعض النساء يتباهين في جلساتهن الخاصة في ما بينهن بعدد الرجال الذين غازلوهن في الطريق أو الحافلة، ويعتبرن ذلك مقياسا حاسما في تحديد درجة القبول التي يحظين بها عند الرجال.
لكن التحرش الخطير في نظري هو التحرش بالنساء في أماكن العمل. وهذا النوع من التحرش أصبح عندنا في المغرب ضريبة تدفعها النساء في أغلب المؤسسات، سواء كانت خاصة أو حكومية من أجل أن يحافظن على وظيفتهن أو من أجل أن يترقين في السلم الإداري. وفي أغلب المؤسسات، هناك موظفات يطلق عليهن موظفات «الكانابي»، وهن أولئك النساء اللواتي يقبلن أن يربطن علاقة عاطفية مع المدير مباشرة بعد إجراء امتحان الدخول. فبعض المديرين المكبوتين حولوا الممارسة الجنسية إلى شرط أساسي يجب على المرشحات استيفاؤه من أجل الحصول على منصب العمل.
بلا شك، هناك الآلاف من الموظفات اللواتي يعانين بصمت من تحرشات رؤسائهن المباشرين في العمل. يحدث هذا في كل دول العالم وليس فقط عندنا، والفرق الوحيد أن النساء في الدول الأخرى يلجأن إلى القضاء ويفضحن المتحرشين بهن في الصحافة، أما عندنا فالصمت هو القانون السائد. والسبب هو الخوف من الشوهة والخوف من ضياع المنصب بسبب غياب العدل في حالة اللجوء إلى القضاء. لذلك تصبر المرأة على المتحرشين بها، وتعتبر ذلك ضريبة يومية يجب أن تؤديها عندما تقبل الخروج إلى سوق العمل.
كيف لا وقد تابعنا جميعا كيف تحرش الكاتب العام لوزارة التشغيل بمهندسة وعندما انفضح الأمر تم طي القضية بسرعة وأعفي الكاتب العام من منصبه دون معاقبته و«مريضنا ما عندو باس».