رياضة وطنية اسمها التحرش
في فرنسا نشرت شابة فيديو يظهر تعرضها للصفع وللتحرش من طرف رجل فقامت القيامة وصدر قانون يجرِّم التحرش الجنسي في الشوارع وفرض عقوبة فورية تصل إلى 750 أورو.
هذا يظهر مدى قدرة التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الضغط على المؤسسة التشريعية لتغيير القوانين.
لقد أصبح المؤثرون في عالم اليوم، الذي تتحكم فيه الثورة الرقمية لوسائل التواصل الاجتماعي، يتحكمون في صناعة الصورة، سواء بالنسبة للأشخاص أو العلامات أو البلدان.
ولشدة تأثيرهم وقوة حضورهم يمكن أن يدمروا منتوجا تجاريا أو سمعة شخصية سياسية أو صورة بلد بفيديو واحد.
ما حصل مع البلوغوز الألمانية سوزي المعروفة عالميا التي جاءت إلى المغرب في رحلة استكشافية حول إفريقيا، والتي يتابعها عشرات الملايين، يجب أن يكون درسا بليغا للجميع، لأن ما عاشته من تحرش جنسي في شفشاون تعيشه السائحات الأجنبيات والنساء المغربيات كل دقيقة وبطرق أبشع.
ما يحدث هذه الأيام من اعتداءات لفظية وجسدية ضد النساء في الفضاء العام ليس جديدا، والجديد هو أن وسائل الإعلام أصبحت مهتمة بالموضوع بفضل منافسة مواقع التواصل الاجتماعي لها.
وشخصيا أعتبر أن السبب الرئيسي في كل هذه الحوادث ليس هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يريد البعض تصويره، بل يتعلق الأمر ببساطة بجريمة اسمها التحرش.
وبسبب انتشار واستفحال هذه الجريمة سبق أن وضعت اليومية البريطانية ذائعة الصيت “الديلي ميل” المغرب ضمن قائمة الدول التي يجب على النساء تفادي زيارتها بمفردهن، وهي دعاية سلبية تضرب في الصفر كل الحملات الإشهارية الغبية التي يهدر عليها سنويا المكتب المغربي للسياحة المليارات في الدعاية الفارغة بالقنوات الفرنسية.
وبسبب التحرش العدواني بالنساء، سواء المتزوجات أو العازبات، المتحجبات أو غير ذلك، الشابات أو المسنات، أصبحت العائلات متوسطة الدخل تفضل الذهاب بنسائها وبناتها إلى إسبانيا والبرتغال لقضاء العطلة بعيدا عن “كحل الراس” والنظرات المفترسة لهؤلاء الذئاب الجائعة وبعيدا عن قواميس غزلهم المنحط وشتائمهم الرخيصة.
إن الحل للقضاء على هذه الظاهرة المرضية التي أصبحت تهدد السياحة الوطنية وصورة المملكة والسلامة الجسدية للنساء هو إعمال القانون بصرامة وقسوة ضد كل من تسول له نفسه التحرش بالنساء في الأماكن العامة، “اللي تبسل على شي بنت أو سيدة عام ديال الحبس، وديك الساعة اللي عندو شي يد غادي يشدها عندو، واللي عندو شي لسان طويل غادي يربطو مع فمو، واللي عندو شي حموضية يخليها تخمر عندو لداخل”.
أما بالنسبة للنساء اللواتي يستعملن وسائل النقل العمومي للتنقل إلى مقرات عملهن أو قضاء أغراضهن، فإن أحسن هدية يمكن أن تقدم لهن هي تخصيص وسائل نقل خاصة بهن تفصلهن عن تحرشات “السمايرية” من الرجال.
ولن يكون المغرب استثناء في هذا المجال، بل إن هناك دولا كثيرة قررت بلديات مدنها تخصيص أماكن للنساء في بعض وسائل النقل العمومية. وإلى جانب الهند والبرازيل واليابان، انضمت في السنوات الأخيرة بلدية مكسيكو سيتي إلى المدن التي تخصص حافلات للنساء فقط.
وفضلا عن صورة البلد المتساهل مع الاغتصاب الجنسي التي نعطيها للعالم الخارجي، هناك صورة أخرى أصبحنا نصدرها وهي صورة الشعب المكبوت جنسيا، ولو نظمت منافسة دولية للظفر ببطولة العالم في التحرش والاغتصاب والكبت لحصل المغاربة على الميدالية الذهبية.
وأعتقد أن «الجوع الجنسي» للمغاربة هو أصل كل مشاكلهم، وبين كل لاجئي العالم في ألمانيا والسويد والنرويج وحدهم المغاربة من تورطوا في جرائم التحرش الجنسي.
وحسب آخر تقرير عالمي حول السياحة فالمغاربة أول شعب في التحرش بالسائحات في العالم.
إن سبب العنف والجرائم والالتحاق بداعش هو الكبت الجنسي أساسا، فاستيهامات مثل “جهاد النكاح” تجعل شرائح واسعة من المكبوتين والمحرومين يلتحقون بداعش للحصول على نصيبهم من النساء المتطوعات.
وحتى علماء الدين عندنا أغلب فتاواهم حول الجنس، فتاوى الزمزمي رحمه الله حول جواز مجامعة الرجل لزوجته الميتة وفتاواه حول استعمال المرأة أدوات المطبخ في غير محلها.
أما الأفلام المغربية فأغلب مواضيعها حول العجز الجنسي والدعارة والشذوذ.
ولهذا فالمغاربة حسب آخر إحصاء لموقع أليكسا هم أول متصفحي مواقع الجنس في العالم، وهذا طبيعي، فعندما لا يجد الشباب عملا لا يستطيعون الزواج وتكوين أسرة، وكل ما يبقى أمامهم هو الجنس خارج الزواج لمن استطاع، ولهذا لدينا أكبر نسبة للعزوف وأكبر نسبة للطلاق، وأكبر نسبة من الإجهاض، وأكبر نسبة من أطفال الشوارع.
ولو أنني كنت زعيم حزب سياسي مشارك في الانتخابات لكنت رفعت شعارا واحدا تكون نقطه هي إجهاض الفتيات والنساء المختلات عقليا اللواتي يتم اغتصابهن أو استغلالهن جنسيا يوميا في الشوارع، وثانيا إخصاء مغتصبي الأطفال، وثالثا ربط عنق رحم المتسولات والكلوشارات اللواتي يبعن أطفالهن أو يستغللنهم في التسول.
يجب أن نقولها بكل صراحة ووضوح، هناك اليوم محنة حقيقية اسمها التحرش تعيشها النساء المغربيات في شوارع المدن وفي وسائل النقل وفي أماكن العمل. ومازال بعض الرجال يعتبرون أن توقيف المرأة والتحدث إليها في الشارع العام حق من حقوقهم المكتسبة.
أما في القطار فهناك متخصصون في البحث عن المقصورات التي توجد بها فتيات، ومنهم من يترك كل الأماكن الفارغة في القطار ولا يحلو له سوى مقعد مقابل لامرأة تجلس وحيدة، فيأتي ويجلس قبالتها ويسألها ذلك السؤال البليد الذي يقول “الأخت خدامة ولا مزالة كاتقرا”؟
فالعقلية الرجولية المتخلفة لبعض المغاربة تفترض أن كل امرأة تجلس وحيدة في القطار أو الحديقة أو المقهى هي امرأة “كاتقلب على شي حاجة”، وإلا لماذا هي جالسة لوحدها.
بجولة سريعة في شوارع المدن المغربية يمكن أن ترى وتسمع عشرات الرجال يتحرشون بالنساء أمام الملأ، مسلحين بقاموس خاص من الكلمات التي تختلف رقتها أو رعونتها حسب رد فعل الضحية.
ولهؤلاء المتحرشين المحترفين دراية كبيرة بنفسية المرأة المغربية، فهم يحفظون جملا في الغزل، أحيانا تكون من “السمطة لتحت”، ومجاملات غزلية مصاغة بعناية شديدة لا يتوقفون عن ترديدها على مسامع كل الفتيات اللواتي يصادفوهن في الطريق.
وبعضهم لديه أوقات محددة لممارسة هذه الرياضة، فتجده لا يمارسها إلا مساء بعد الخروج من العمل، والبعض الآخر متفرغ لها طيلة النهار. بمجرد ما يضع رجله في الشارع حتى يبدأ الحركات التسخينية الأولى للسانه. لحسن حظهم أن اللسان لا يصاب بالكلاكاج، وإلا لكان أغلبهم أصيب باللقوة.
غالبية الرجال في المغرب يعتقدون أن القانون لا يعاقب على التحرش بالنساء في الشارع، وأن التغزل أو شتم النساء والفتيات هو حق مكتسب. والواقع أن القانون واضح في هذا الباب، فالتحرش معاقب عليه، ويمكن أن ينتهي بصاحبه أمام القاضي إذا قررت الضحية أن تتابع المتحرش بها.
المشكل أن أغلب الضحايا يفضلن الصمت، وهذا ما يشجع المرضى بالتحرش على الاستمرار في ممارسة “رياضتهم المفضلة”.