ما هو أحسن مسار وظيفي في المغرب؟ إنه مسار يوسف بلقاسمي مدير سونارجيس المعين حديثا على رأس هذه المؤسسة بعدما قضى سنوات طويلة في منصب كاتب عام وزارة التعليم حيث عاصر فيها نحو 8 وزراء تعليم، و6 حكومات. يعني أن الرجل عاصر جميع المخططات الفاشلة التي حاولت عبثا إخراج التعليم من غرفة الإنعاش، وأشرف على الميزانيات الضخمة التي رصدت لذلك بما فيها ميزانية المخطط الاستعجالي الذي لازال ملفه يروج في المحاكم مقتصرا على حفنة من الموظفين في استثناء غريب للرؤوس الكبيرة في الوزارة.
وإذا كان الناس لا تأتيهم المصائب منفردة، فإن يوسف بلقاسمي لا تأتيه التعيينات منفردة، فبعد تعيينه رئيسا على الشركة الوطنية لإنجاز وتدبير المنشآت الرياضية، حصل على منصب نائب رئيس الجامعة الدولية للرياضة المدرسية، وحصل على منصب رئيس الجامعة الإفريقية للرياضة المدرسية، وهي كلها مناصب بالإضافة إلى منصبه كمدير لسونارجيس ترفع راتبه الشهري إلى ما فوق عشرة ملايين في الشهر.
وهكذا عوض أن تتم محاسبة هذا المسؤول على تسييره الفاشل لوزارة التعليم على امتداد أكثر من خمس عشرة سنة، ها هو يجازى بمنصب على رأس مؤسسة تدير أغنى جمعية في المغرب بمداخيل سنوية قارة تتجاوز المليار، ولكن بدون شفافية على مستوى التدبير.
فعلى مستوى الأرقام يصل عدد تلاميذ المغرب إلى أكثر من سبعة ملايين، وكلهم بدون استثناء غير معفيين من أداء واجبات الانخراط السنوية الإجبارية في الجمعية الرياضية، تتراوح بين 10 و20 درهما للتلميذ الواحد. الأمر الذي يعني مداخيل تناهز 100 مليون درهم يتم ضخها كلها في حسابات هذه الجمعية.
وإلى جانب هذه الجمعية نجد أيضا الجامعة الملكية للرياضة المدرسية، وهي من الجامعات الرياضية الغنية ومداخيلها من الميزانية العامة بالإضافة إلى هبات ومنح تتلقاها عقب مشاركة التلاميذ في مختلف البطولات الوطنية، وهذه المنح المالية ترتبط بعدد الميداليات والبطولات التي حصل عليها الأطفال المغاربة.
وإلى جانب هاتين الجمعيتين نجد مديرية قائمة بذاتها داخل وزارة التربية الوطنية مكلفة هي أيضا بالرياضة المدرسية، ولها أيضا ميزانية سنوية من المال العام، وداخل مديرية المناهج نجد مصلحة خاصة هي أيضا بهذا النوع من الرياضة.
القائمون على هذه البنيات الإدارية الخاصة بالرياضة المدرسية دائما ما يفخرون بإنجازات التلاميذ المغاربة في البطولات القارية والعربية والدولية، وهذه للأمانة حقيقة. إنما طريقة حديثهم عن الموضوع تبدو أشبه ما يكون بسرقة إنجازات التلاميذ، وأيضا عدم تبرير صرف المداخيل الخيالية القارة التي يحصلون عليها. ذلك لأن أغلب المشاركات الدولية للتلاميذ المغاربة تتم تحت مظلة التعاون الدولي مع الدول المحتضنة للمسابقات والبطولات، وبالتالي فإن مصاريف هذه المؤسسات سابقة الذكر لا تتجاوز بضعة دريهمات يتم صرفها في اقتناء معدات وبدلات رياضية صينية الصنع، الغرض منها التقاط الصور بالبدلة الموحدة، وإصدار البلاغات تلو الأخرى لسرقة عرق ومجهود التلاميذ وأسرهم وأساتذتهم في المؤسسات التعليمية، ونسبتها إليهم.
وعندما نتحدث عن “سرقة” المجهودات، فنحن نعني الكلمة حرفيا، لأن العمل الأساسي يتم على صعيد المؤسسات التعليمية بفضل أساتذة التربية البدنية، ومنهم من يدفع مصاريف تنقيل الفرق الرياضية للمؤسسات من ماله الخاص أو عبر سيارات الجماعات المحلية إن قبل رؤساؤها. ومرارا يكون طلب ثمن بنزين لتنقيل هذه الفرق أصعب من إدخال جمل في ثقب إبرة. والسؤال هو أين تذهب ملايير الجمعية الرياضية والجامعة الملكية للرياضة المدرسية وباقي المديريات؟
ومؤخرا، وعقب إنجاز المغرب في كأس العالم، والدور الذي لعبته أكاديمية محمد السادس في تكوين بعض اللاعبين المهمين في تحقيق هذا الإنجاز، عاد المسيطرون على الرياضة المدرسية إلى لعبتهم المفضلة طيلة عقود، والمتمثلة في “سرقة” مجهودات غيرهم. مع أن اختلالات الرياضة المدرسية كانت قبل عقود من بناء هذه الأكاديمية. الأمر الذي يتطلب تحقيقا موسعا لمعرفة مصير كل الأموال الضخمة التي تدخل سنويا للجمعيات الرياضية، دون أن يكون لها أثر على أرض الواقع. بدليل غياب متابعة الأبطال الصغار الذين يحققون البطولات القارية والعربية والدولية، والاكتفاء كما هي العادة بنشر صور هؤلاء وتوشيحهم بميداليات بلاستيكية لا يتجاوز ثمنها خمسة دراهم.
أين التلاميذ الحاصلون على المركز الأول في بطولة العالم المدرسية للعدو الريفي بفرنسا سنة 2018؟ أين هو المنتخب الوطني المدرسي لكرة القدم الحاصل على وصيف بطل “كأس ج العالمية” بقطر سنة 2017؟ أين هؤلاء الآن؟
عمر الجمعية الرياضية تجاوز ربع قرن، ولنا أن نتصور حجم مداخيلها منذ تأسيسها سنة 1994.
لا تقف الاختلالات عند هذا الحد. إذ بعيدا عن النقاش السياسي الذي أثاره إلحاق قطاع الرياضة بوزارة التربية الوطنية، وخصوصا الرؤية الحكومية حول هذا الإلحاق، وفي ظل إصرار الحكومة على عدم خلق كتابة دولة خاصة بهذا القطاع، فإن تدبيره يطرح مشكلات مسطرية وتدبيرية كبيرة، تثقل كاهل مدبري التربية الوطنية، وخصوصا في المدن التي تحتضن عشرات المنشآت الرياضية، من قبيل ملاعب القرب والقاعات المغطاة والملاعب المعتادة. الوجه الأول للمعضلة يتمثل في عدم تبعية قطاع الرياضة للأكاديميات الجهوية، لأن القانون المنظم لصلاحياتها لا يعطي للمدراء الجهويين أية وصاية على قطاع الرياضة، ولكن القطاع ذاته يقع تحت وصاية المدراء الإقليميين والذين يجدون أنفسهم في وضعية مفارقة، وهي أنهم يعملون تحت سلطة مدراء الأكاديميات في قطاع التعليم، ولكنهم يتعاملون في قطاع الرياضة مع مختلف الشركاء والمتدخلين مباشرة، بما في ذلك التعامل مع الخازن الإقليمي.
سلطة شكيب بنموسى على قطاع الرياضة تم ترسيمها بموجب مرسوم تم إصداره أياما بعد تعيينه على رأس وزارة “التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة”، لكن هيكلة وزارته لم يتم تأهيلها بعد لتواكب مستجد إلحاق قطاع الرياضة بوزارة التعليم، ذلك لأن القانون المنظم لصلاحيات ومهام الأكاديميات الجهوية، والمعروف اختصارا بقانون “007” يفرض على مدراء الأكاديميات عدم التدخل في هذا القطاع على مستوى التسيير والتدبير.
هذا المعطى القانوني يضع المدراء الإقليميين في وضع محرج قانونيا. ففي مجالي التعليمين المدرسي والأولي يخضعون لسلطة مدراء الأكاديميات، ولكنهم في تدبير قطاع الرياضة يتعاملون مباشرة مع العمالات ومختلف الشركاء والمتدخلين في هذا القطاع، دون أن يضطروا للعودة لرؤسائهم في الأكاديميات.
إذن كم يسهل الحديث الشفهي عن علاقة الرياضة عموما والرياضة المدرسية خصوصا بالتنمية البشرية، ولكن ما لا يمكن قبوله هو استمرار نفس أساليب تدبير القطاع، حيث الأشخاص أنفسهم يتم “انتخابهم” عقب كل جمع عام، وحيث لا تُنشر موارد ومصاريف الجمعيات الرياضية والجامعة الملكية للرياضة المدرسية، واستغلال النجاحات الفردية للتلاميذ في مختلف البطولات للتغطية على هذه الاختلالات.