شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

روكبير.. طبيب الملوك رافق الأسرة الملكية بالمنفى ومات في انقلاب الصخيرات

يحمل أطباء الملوك والزعماء هموم السر المهني الثقيل، فهم الأكثر اطلاعا عما يحدث في أسرة مرض القادة. يعرفون تفاصيل الألم الجاثم عليهم ويتدخلون في طبيعة طعامهم وحميتهم.

اختلفت جنسيات وأديان الأطباء الذين أشرفوا على صحة أجساد الملوك المغاربة، منهم الفرنسيون والألمان والبريطانيون، ومنهم اليهود والنصارى والمسلمون، ومنهم المدنيون والعسكريون، ومنهم أيضا أطباء القلب والشرايين والطب الباطني والعظام والعيون وغيرها من التخصصات.

تاريخهم حافل بالأسرار لكنها لم تكتب. حتى أن الذين كتبوا عن تجاربهم، اكتفوا بسطور قليلة عن مهامهم في المغرب. وغالبا ما ركزوا في سيرهم الذاتية عما حصل خارج غرفة العلاج، مكتفين بحوارات وجلسات مع الملوك.

هم بعكس الأطباء الذين اشتهروا وكتبت عنهم مقالات وبورتريهات كثيرة. هؤلاء أطباء الظل، عاشوا في الظل ومنهم من مات منسيا دون ضجيج، ومنهم من لا يزال على قيد الحياة يرتدي البذلة البيضاء أو يفكر في كتابة مذكرات. بالكاد يتذكر القليلون أنهم كانوا على اتصال بهم، لأنهم كانوا يقتصرون في حضورهم على التجمعات الخاصة، بعيدا عن الأضواء واللقاءات الرسمية التي تظهر وجوها أصبحت مألوفة. بعكس اللقاءات المغلقة التي حضرها هؤلاء الأطباء الذين اضطلعوا بأكثر المهام سرية.. بشأن صحة الملوك.

هنري ديبوا روكبير واحد من أقطاب العيادة الطبية للقصر وأكثر توغلا في الشأن السياسي أيضا، عاش مع المغرب قصة وفاء دامت عقودا، ومات في القصر رميا برصاص الانقلابيين.

 

حسن البصري:

 

هارب من هتلر يصبح مسؤولا عن عيادة القصر

“لقد قرأت بدقة المخطوط الذي تركه لك والدك”، هذه عبارة بعثها الملك الحسن الثاني في رسالة إلى برونو ديبوا روكبير، ردا على كتاب “محمد الخامس.. الحسن الثاني.. كما عرفتهما”.

من غرائب الصدف أن الملك الحسن الثاني سيلتحق بالرفيق الأعلى بعد شهرين فقط عن صدور هذا الكتاب، لكن أم المفارقات أن ينهي الدكتور هنري ديبوا روكبير كتابة سيرته الذاتية قبل وفاته في قصر الصخيرات بحوالي شهرين.

ولد هنري ديبوا روكبير، ذو الأصول البلجيكية، سنة 1891 في باريس، حيث درس الطب وتخصص في الجراحة، وحين تخرج بميزة مشرف جدا، أسندت له مسؤولية رئاسة قسم الجراحة العصرية في مستشفى الرب بباريس. كما شغل مهاما جمعوية داخل أكاديمية الطب والجراحة.

في سنة 1931 سافر هنري إلى ميونيخ، هناك عايش المد النازي، بعد أن انتشرت في ألمانيا حالة من الركود الاقتصادي والبطالة بسبب اتفاقية فرساي التي وقعتها الحكومة الألمانية المهزومة عام 1918 في الحرب العالمية الأولى. لاحظ أن ألمانيا تعيش ثورة اجتماعية كان من نتائجها ظهور حزب العمال الألماني عام 1919، الذي تحول لاحقا إلى حزب العمال الاشتراكي القومي الألماني، أو الحزب النازي. كان الطبيب الفرنسي روكبير معجبا بمنظر الحزب وكاتب برنامجه رجل الاقتصاد الألماني غوتفريد فيدير، والذي انضم إليه لاحقا أدولف هتلر وعدد من الضباط الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى.

حين شعر بقرب اجتياح الحزب لأوروبا قرر الطبيب الفرنسي الهجرة إلى المغرب، رغم أن أحد أساتذته في كلية الطب نصحه بالسفر إلى الجزائر، وفي سنة 1932 بلغ عدد الأجانب النازحين إلى المغرب 400 ألف أوروبي، غالبيتهم من الفرنسيين.

حل هنري ديبوا روكبير بالعاصمة الرباط، حيث ساعده أحد أصدقائه القدامى على الاشتغال في المستشفى العسكري، والذي كان يحمل اسم ممرضة رئيسية فرنسية “ماري فويي” والذي أصبح المغاربة يطلقون عليه اختصارا اسم “ماريفي”. قبل أن يصبح مستشفى عسكريا كان مجرد إقامة صيفية للسلطان مولاي عبد العزيز، الذي وهبه للإقامة العامة لغاية إنسانية.

في السنة الموالية سيفتح روكبير عيادة خاصة في وسط العاصمة الرباط، تردد عليها كثير من الزبناء المغاربة والأجانب، قبل أن يصل صداه إلى القصر حيث دعي للالتحاق بالطاقم الطبي للسلطان محمد الخامس بدعم من الإقامة العامة، إذ كان يعتمد عليه المقيمون الذين تعاقبوا على الحكم في علاجهم وعلاج أفراد عائلاتهم.

مع مرور الأيام، أصبح الطبيب مقربا من الملك ومن ولي عهده ومن شقيقه، وتجاوز عيادة القصر إلى الاستشارة في شؤون الدولة، بل إنه اختار الاستقرار في المغرب إلى أن مات برصاص الانقلابيين في الصخيرات صيف سنة 1971.

 

ديبوا روكبير.. طبيب وأخصائي تغذية وسياسي

لم يكن الطبيب الفرنسي الدكتور ديبوا روكبير مجرد طبيب متخصص في القلب والشرايين، ومسؤول عن مصحة القصر، بل كان صديقا للملك محمد الخامس ومستشاره في كثير من الأمور التي تتعدى الجانب الصحي.

كانت اختصاصاته تتجاوز الكشف عن مرض الملك والأسرة المالكة، بل إنه كان يحرص على مراقبة الوجبات الغذائية ويتأكد من صحة الطبخ والطباخين، وظهر حبه لمحمد الخامس خلال المنفى، إذ كان ضمن الثلاثين فردا الذين سهروا على خدمة السلطان المنفي إلى مدغشقر، حيث حل الدكتور ديبوا روكبير بالجزيرة محملا بنبتة النعناع، اللحم المجفف، “الكديد” وأعواد من خشب الصندل إلى جانب أواني الطبخ الضرورية كالطجين، وآنية إعداد الكسكس و”البسطيلة”.

قبل أن يصعد أفراد الأسرة الملكية الطائرة المتوجهة صوب كورسيكا ومنها إلى مدغشقر، تدخل ولي العهد الحسن الثاني قائلا: “إن أبي المريض، سيتحمل بصعوبة السفر جوا”. نودي بالهاتف على طبيب الملك الذي حضر بسرعة، وأضاف: “الطبيب ديبوا أكد تخوفاتي، لكن لم يؤخذ برأيه، تم دفعنا دفعا إلى الطائرة التي أقلعت في اتجاه مجهول. إن قساوة المعاملة التي تعرضنا لها كانت تجعلنا نخشى الأسوأ على أبي الذي من شدة التعب، تمدد على مقعد خشبي، وكنت أسعفه على قدر الاستطاعة”.

التحق ديبوا بالمنفى في الثامن عشر من أكتوبر، وأخبر الدكتور لدى وصوله إلى أنتسيرابي، السلطان بـ”الإرادة القوية لفرنسا من أجل إيجاد حل للقضية المغربية في أقرب الآجال ومهما كلف ذلك من ثمن”. وشرع الطبيب في عقد جلسات حوار طويلة ليس للكشف عن الحالة الصحية للسلطان المنفي رفقة أسرته، بل لنقل أطروحة الإقامة العامة، بعد أن تأكد المقيم العام أن الطبيب هو الوحيد القادر على إقناع محمد الخامس بجدوى التفاوض.

بمجرد رجوع الدكتور ديبوا روكبير إلى باريس عائدا من مدغشقر، قدم تقريرا لكريستيان فوشي، جاء فيه: “عندما نقلت إلى وزير الشؤون التونسية والمغربية هذا الرفض التام للتنازل، لاحظت أن الحكومة الفرنسية كانت في حيرة من أمرها”.

بعد وفاة الملك محمد الخامس، قرر الملك الحسن الثاني الاحتفاظ بنفس الطاقم الطبي للعيادة الملكية، بل إنه وشح صدر روكبير بوسام العرش سنة 1969، لما قدمه من خدمات للمملكة الشريفة.

 

حين اشترى طبيب القصر سكنا ريفيا في أمزميز

في أول زيارته لإقليم الحوز، أعجب الدكتور ديبوا روكبير طبيب القصر، بطقس منطقة أمزميز التي تبعد عن مدينة مراكش بحوالي 56 كيلومترا في الجنوب.

وتقول بعض الروايات إن ديبوا اقتنى هذا المسكن من معمر فرنسي يدعى بيانتيني من أصول إيطالية، وكان محمد الخامس وولي عهده مولاي الحسن يترددان على هذه الإقامة من حين لآخر خصوصا في فترات النقاهة، نظرا لما يمتاز به الموقع من طقس جميل وجو رائع، خصوصا وأن أمزميز على وجه العموم توجد على ارتفاع مثالي عن سطح البحر 1000 متر.

“كانت هذه الإقامة ولا تزال معروفة لدى سكان أمزميز بمنزل محمد الخامس “تكمي ن محمد الخامس” باللغة المحلية. وللإشارة فالمؤهلات التي تتوفر عليها المنطقة جعلت الدكاترة الفرنسيين الذين مروا بأمزميز، كان آخرهم الدكتور رامبير، يفكرون في إنشاء مركز وطني للأمراض الصدرية والتنفسية بأمزميز، لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن”، يقول أحد مؤرخي الحوز.

وحسب أبناء المنطقة ممن عايشوا هذه الفترة، فإن أبناء الطبيب هنري ديبوا كانوا يفضلون قضاء عطلهم في هذه الإقامة التي تحيط بها الجبال، بل إن سيدة تدعى فاطمة كانت تسهر على تربية الأبناء ورعايتهم وتحضير الوجبات لهم أثناء وجودهم في أمزميز.

كان روكبير قد أوصى أبناءه بتحويل هذه البناية إلى منتجع سياحي خاص بكبار السن الذين يعانون من ضيق على مستوى التنفس. وتنفيذا لوصية والدهم، قام أبناء الدكتور بإنشاء إقامة سياحية بمنطقة تعدروشت تستقبل سياح العالم من العمر الثالث.

غفـي أول زيارة لمحمد الخامس إلى أمزميز، بعد الاستقلال، كان برفقته الدكتور ديبوا روكبير، الذي تحول من مجرد طبيب إلى مستشار للسلطان، حيث كان يعتمد عليه في كثير من الأمور السياسية والاقتصادية والصحية، حتى وصف بالطبيب المكلف بالعلاقات مع الفرنسيين.

 

مذكرات طبيب القصر.. آخر ما قرأ الحسن الثاني قبل وفاته

تأخر كتاب ألفه الطبيب الفرنسي هنري ديبوا روكبير، وحمل عنوان “محمد الخامس والحسن الثاني.. كما عرفتهما”، عن موعد صدوره لمدة ثلاثة عقود، بل إنه كان آخر ما قرأ الحسن الثاني قبل رحيله بحوالي ثلاثة أشهر، إذ كتب رسالة لابن الطبيب نوه فيها بمضامين الكتاب الذي توصل به وهو في حالة مرض.

يتحدث هذا المؤلف عن فترة مهمة من تاريخ المملكة المغربية تتمثل في عقدي الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، ويقدم وثائق تنشر لأول مرة تتعلق بتاريخ المغرب.

ونظرا لأهمية هذه المذكرات، فقد نظمت ندوة خصصت لقراءة المؤلف واستحضار تلك المرحلة التاريخية الهامة من تاريخ المغرب.

كشف اللقاء الفكري عن شخصية الطبيب الراحل الذي كان يقيم في الرباط منذ العام 1932 وتولى الإشراف على علاج السلطان محمد الخامس بدءا من العام 1937، وقدم كنزا من المعلومات عن مرحلة تاريخية كاملة تتمثل في مرحلة الحماية الفرنسية للمغرب وفترة مخاض الاستقلال خلال حقبة تاريخية حاسمة لما بعد الحرب العالمية الثانية وبالضبط بين عامي 1945 و1955 بالإضافة إلى معلومات عن السنوات الأولى من حكم محمد الخامس.

من بين المداخلات مداخلة لأستاذة مادة التاريخ بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط أمينة عاشوار، حيث قالت: “إن الكتاب يقدم عددا من الأجوبة عن نقاط محددة وخصوصا حوادث 1937 والأزمة التي شهدتها العلاقات المغربية الفرنسية بين عامي 1953 و1955، عندما أقدمت قوات الحماية على نفي العائلة الملكية المغربية بعد تنصيبها لمحمد بن عرفة سلطانا على المملكة الشريفة”، وأضافت أن الكتاب يعد شهادة عن فترة من فترات منفى الأسرة الملكية أيضا، كما أنه يسلط الضوء على العلاقات التي كانت تربط بين السلطان محمد الخامس وشبكات الوطنيين المغاربة.

كشف الكتاب كذلك عن معطيات الصراع الذي كان قائما بين القصر الملكي في الرباط والإقامة العامة الفرنسية، وعن ظروف عيش الأسرة الملكية خلال فترة المنفى في كل من جزيرة كورسيكا بالبحر الأبيض المتوسط ثم جزيرة مدغشقر بجنوب المحيط الهندي.

من جهته، أبرز رئيس شعبة التاريخ في المعهد نفسه مبارك زكي أن كتاب “محمد الخامس والحسن الثاني.. كما عرفتهما” يشكل “شهادة واقعية كانت على شكل مذكرات ونقاط متفرقة، من خلال تقديم توضيحات عن مرحلة مهمة من تاريخ المغرب بدءا من اعتلاء السلطان محمد الخامس عرش المغرب العام 1927″، مضيفا أن الكاتب قدم معطيات مهمة عن تطور العلاقات المغربية الفرنسية، فضلا عن أنه كان شاهدا على أولى المظاهرات التي شنتها الحركة الوطنية.

وفي مداخلته قال برونو ديبوا روكبيرّ، وهو ابن المؤلف: “إن نشر هذا الكتاب يأتي بعد مرور ثلاثة عقود على وفاة مؤلفه، بعد أن قرر أحفاد هينري ديبوا روكبير نشره في العام 1999. إن تأجيل إصدار الكتاب جاء على إثر رحيل العاهل المغربي الملك الحسن الثاني في يونيو 1998 بعد شهرين على موافقته على نشره”.

يشتمل كتاب “محمد الخامس والحسن الثاني.. كما عرفتهما”، الصادر عن دار طارق للنشر بالرباط والمكون من 234 صفحة، على عدد مهم من الوثائق والتوقيعات والصور والأسماء والحوادث التاريخية المهمة، كما أنه غني بالرسائل والوثائق التي وجدت لها طريقا للنشر لأول مرة بعد كل هذه العقود.

 

صراع الطبيبين روكبير وكليري ينتهي بهروب هتشكوكي

قبل أن يلتحق الدكتور ديبوا روكبير بالأسرة الملكية في منفاها بمدغشقر، التقى محمد الخامس صدفة بطبيب له سحنة آسيوية، تبين أن أصوله من التبت لكنه يحمل الجنسية الفرنسية، ويدعى فرانسوا كليري، والذي حكى للملك المنفي قصته المثيرة منذ ولادته في شبه جزيرة الهند الصينية سنة 1918، إلى تعيينه في بعثة طبية بمستعمرة مدغشقر، مرورا باشتغاله لفائدة الأجهزة السرية الأمريكية ودعمه للحلفاء ضد الفيتناميين مما كلفه الاعتقال.

بعد حصوله على الحرية، اختار هو وعائلته السفر إلى فرنسا من أجل العيش هناك واستكمال مسيرته الدراسية في مجال الطب، لتأتيه فرصة العمر حين التقى الملك الراحل محمد الخامس بن يوسف، وبالضبط في يناير 1954، أثناء وجود الأخير في منفاه بمدغشقر، وذلك لكي يقوم بتطبيب أحد أبنائه، وليظل ملازما لمحمد الخامس قام فرانسوا بتطبيب الأمير مولاي عبد الله، وأصبح ملازما لمحمد الخامس، وحين انتهت فترة النفي، قرر الطبيب الالتحاق بالمغرب والانضمام إلى الفريق الطبي للقصر الملكي بتزكية من ديبوا روكبير، لكن بعد وفاة الملك قرر الحسن الثاني الإبقاء على نفس الطاقم، وأصبح فرانسوا طبيب العهد الجديد لمدة ست سنوات، قبل أن تتدهور العلاقة بين الطرفين بعد أن شرع الطبيب في تشخيص الوضع السياسي للبلاد بدل تشخيص حالة المترددين على مصحة القصر، بل إن تصريحاته حول قضية اغتيال المهدي بن بركة جعلته على رأس المغضوب عليهم.

حصل خلاف بين روكبير وكليري، بل إن هذا الأخير ادعى أن غضب الحسن الثاني منه راجع للتنافس بينهما حول قيادة المصحة الملكية، وهو ما دفع كليري إلى الهرب نحو فرنسا في يوليوز من سنة 1967، مبررا هروبه بوجود “محاولات لدس السم له في الطعام من أجل اغتياله”، على حد قوله في كتاب يسلط الضوء على قضية بن بركة اختار له اسم “حصان الملك”.

ظل كليري بعيدا عن الأضواء، إلى أن أعلن عن وفاته، في شهر أبريل من سنة 2014 بالعاصمة الفرنسية باريس عن عمر يناهز 96 سنة. حينها تسربت أخبار عن علاقة الطبيب مع المملكة المغربية والدولة العلوية الشريفة، خصوصا في فترة الملكين الراحلين محمد الخامس والملك الحسن الثاني، حيث تأكد أن الدكتور فرانسوا الذي رافق الملك الراحل لفترة على طول مسيرة حكمه، طبيبا و مستشارا وأمينا لسره، قد أغضب الحسن الثاني في أكثر من مناسبة، خاصة حين قال بأن زعيم المعارضة آنذاك المهدي بنبركة قد قتل خطأ من طرف الجنرال أوفقير، قبل أن تقطع جثته في وقت لاحق ويتم تسفيرها إلى المغرب في حقائب دبلوماسية، لتدفن في أماكن سرية متفرقة في المغرب.

استدعاه الحسن الثاني الملك وطلب منه توضيحات حول بعض تصريحاته، بل اتهم أيضا بتسريب أخبار العيادة الطبية، وهو ما دفعه إلى التفكير في الاستقالة دون تقديمها. حينها تم النبش في سيرة الطبيب القادم من شبه جزيرة الهند الصينية من أب تيبيتي كان طبيب أسنان، ليتابع دراسته بالعاصمة الفيتنامية هانوي، لتندلع الحرب بعدها بالفيتنام التي كانت تقع تحت احتلال اليابان لها، قبل أن يتحول إلى معارض كبير للنظام الفاشي آنذاك، فيختار العمل لصالح الأجهزة السرية الأمريكية ويتكلف بإخفاء الطيارين الأمريكيين في أراضي الهند الصينية، قبل أن يسجن عام 1945 ويتعرض للتعذيب من طرف القوات اليابانية.

 

كيف ساعد طبيب القصر رجل الأعمال الفرنسي كلوستيرمان؟

اعتزل بيير كلوستيرمان التحليق الجوي، وقرر في نهاية الأربعينات المغادرة الطوعية للمجال العسكري، حيث اختار المغرب وجهته. في شهر مارس عام 1950 استقرر في الدار البيضاء بشكل نهائي رفقة أسرته الصغيرة، كان معجبا بالدار البيضاء التي زارها مرات عديدة حين كان طيارا. بنى مسكنا في منطقة أنفا الهادئة وأنشأ رفقة صهره رينودا ورشة للأشغال العمومية في حي عين السبع.

كان الصهر يملك وحدة صناعية في مدينة ريمس، لهذا اعتبر ورشة الدار البيضاء فرعا لها، كما أنه وسع مجال اشتغاله ليشمل مستعمرات فرنسية في إفريقيا. شرعت الشركة في إبرام صفقات عديدة مكنتها من بناء العديد من المشاريع أبرزها القاعدة العسكرية الأمريكية ومد أعمدة الكهرباء ذات قوة الضغط العالية وغيرها من الأشغال.

نسج بيير علاقات جيدة مع الدكتور ديبوا روكبير، طبيب محمد الخامس، الذي كان هو الآخر يتردد على الصالونات الباريسية وكانت تربطه علاقة صداقة بفرنسيين متعاطفين مع القضية المغربية. عبد هنري الطريق أمام رجل الأعمال الفرنسي وفتح له أبواب الاستثمار في المغرب.

في هذه الفترة ربط بيير علاقة صداقة مع ولي العهد مولاي الحسن، بعد أن أظهر تعاطفا مع القضية الوطنية جعلته مقربا من الأمير، خاصة وأن مواقفه التي جهر بها وضعته تحت مجهر متطرفين فرنسيين جندتهم الإقامة العامة للتصدي لكل فرنسي أبدى تعاطفا مع الشعب المغربي.

لم يعر بيير اهتماما كبيرا لرسالة تهديد توصل بها في ماي 1954، حملت عبارات الوعيد: “فلتتجنسوا بالجنسية المغربية واكفونا شركم”. والتي كان مصدرها تنظيم خلقه الجنرال غيوم لوقف حملات التضامن مع المغاربة. وتدعى “اليقظة للعمل على حماية المغرب والدفاع عنه”، حتى إن الأمر وصل إلى حد تهديد مجموعة من الفرنسيين الأحرار بالتصفية الجسدية.

وسرعان ما تم تنزيل التهديد الكتابي على أرض الواقع، وأسفر عن أول استعراض له، وقد استهدفت به شقة أنطوان مازيلا، الصحافي في جريدة “ماروك بريس”. كما تم استهداف أسماء أخرى.. ففي يوم 28 أكتوبر ألقيت قنبلتان على شخصين يكنان للمغرب عطفا خاصا، ويتعلق الأمر بـ: جاك رايتزر، وأخرى على مسكن بيير كلوسترمان. ولم تسفر القنبلتان على ضحايا في الأرواح، لكنهما خلفتا خسائر مادية. اشتكى بيير لهنري، فنصحه بالعودة إلى فرنسا إلى أن تهدأ العاصفة، وهو ما حصل، ومن أجل وضع أسرته بعيدا عن محاولات التصفية، قام كلوسترمان ببيع ورشته لشركة بيرليي، وقرر الاستقرار نهائيا في ضيعة لأصهاره بسان تييري ضواحي ريمس.

حين نال المغرب استقلاله، عاد بيير إلى المغرب حيث عين في مناصب قيادية بكل من شركة الخطوط الجوية المغربية، وبعدها في شركة “رونو المغرب”.

 

الموت التراجيدي لطبيب القصر برصاص انقلابي في الصخيرات

قبل المحاولة الانقلابية التي استهدفت قصر الصخيرات يوم 10 يوليوز 1971، كان الطبيب روكبير منشغلا بتفحص الملف الطبي للمطرب المصري عبد الحليم حافظ، بتعليمات من الملك الحسن الثاني، قبل أن يلتحق بالقصر رفقة مجموعة من المدعوين لعيد ميلاد الملك الحسن الثاني، في حدود الساعة التاسعة، قبل وصول الانقلابيين إلى القصر.

كان طبيب الحسن الثاني منهمكا في مساعدة الأمير مولاي عبد الله حين تعرض لرصاصة من بندقية جندي من جنود ثكنة أهرمومو، قبل أن يفاجأ بهجوم أنهى حياته ليسقط صريعا وتدوسه أقدام الانقلابيين.

لم يكن ضحايا محاولة انقلاب الصخيرات سنة 1971 من المغاربة فقط، وإنما كان هناك عدد كبير، قدر بالعشرات من الأجانب، ممن كانوا يعملون في إطار الوظيفة العمومية أو كانوا فقط مدعوين بمناسبة احتفال الملك الراحل بعيد ميلاده.

وتكاد معظم الكتابات التي تطرقت إلى ضحايا أحداث الصخيرات، خاصة ما أورده الباحث نور الدين اليزيد، تتفق على أن الضحايا الأجانب الذين لقوا حتفهم في تلك المحاولة الانقلابية لا يتجاوز عددهم العشرة أشخاص، وهم الدكتور هنري دوبوا روكبير الطبيب الجراح الخاص للملك الراحل الحسن الثاني، والبروفيسور رينو، والسفير البلجيكي مارسيل دوبري، وماكس مانيون مدير عام معمل السكر “كوزيمار”، والبروفيسور هامبير جان أحد أبرز جراحي القلب الفرنسيين، ورجل الأعمال بمدينة الدار البيضاء شارل كيتا، وآلان كابوش الموظف بإدارة الأشغال العمومية بمصلحة المياه، وفيسانتي مارمانو صاحب مطعم لاكوريدا بالدار البيضاء، وبيير كريمير الذي كان رئيس الطباخين بفندق حسان بالرباط، بالإضافة إلى فواتو جاك، فضلا عن الضحايا المغاربة.

وإذا كانت معظم الكتابات المؤرخة للحادث المأساوي تقدر عدد الأجانب الذين لقوا حتفهم فيه بأنه لا يتعدى العشرة أشخاص، فإن أسر الضحايا المغاربة، في كتاب صادر عنهم بعنوان: “أحداث الصخيرات: إضاءات وحقائق تاريخية”، لا يرون أي مسوغ قانوني وأخلاقي لتحديد دية قتيل دبلوماسي أو طبيب أجنبي تبعا للقوانين الإدارية المغربية، في الوقت الذي يبدون فيه بعض الشكوك في إمكانية وجود تعويضات مادية أخرى غير مصرح بها في العلن، وهو ما يذهب ممثلو أسر الضحايا المغاربة إلى التلميح إليه من خلال إشارتهم إلى وجود رسالة موقعة من طرف الوزير الأول آنذاك، كريم العمراني، تشير إلى ما سمي بـ “التنسيق” بين تعويض الدولة المغربية لهؤلاء الأجانب الذين قضوا وهم في ضيافة الملك، وبين التعويض الممنوح لهم من طرف حكومات بلدانهم.

لذلك، فإن تطبيق مسطرة التعويضات، التي أمر بها الراحل الحسن الثاني لأسر الضحايا، شملت الجانبين المغربي والأجنبي، بالإضافة إلى إمكانية حصول أسر الضحايا الأجانب على تعويضات أخرى من بلدانهم الأصلية.

وتشير رسالة الوزير الأول المشار إليها، والموجهة إلى وزير المالية في رابع يوليوز سنة 1972، تحت رقم 460، إلى “أن التعويضات الممنوحة لذوي الحقوق من الجنسية الأجنبية، سيبت فيها باتصال وثيق مع مختلف التمثيليات الدبلوماسية بالرباط وطبقا لمقتضيات ظهير 12 غشت”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى