روسيا في مستنقع الدم
إذا كانت روسيا قد أنقذت الرئيس الأسد وأمنَته في الوقت الراهن على الأقل، فالذي لا شك فيه أنها ورطت نفسها في المستنقع الغارق في الدماء، وفتحت الباب واسعا لاحتمالات «أفغنة» سوريا.
صحيح أن النوايا الروسية ليست واضحة تماما، ومن المبكر القول بأن الرئيس الروسي أراد أن يرد للغربيين موقفهم منه في أوكرانيا، وخداعهم له في ليبيا، أو أنه أراد أن يأخذ مكان إيران في الدفاع عن النظام السوري، وأن يقتسم المسؤولية مع الإيرانيين، بأمل أن يقتسم الغنيمة معهم.
بالقدر ذاته فليس واضحا ما إذا كان الروس قد قدموا لحماية الأسد الذي لا مستقبل له في سوريا أم لحماية الطائفة العلوية الباقية، التي تتجمع الآن على الساحل تحسبا للمستقبل وتمهيدا لسيناريو الكيان العلوي الجديد إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك.
إذا كانت تلك من بين التداعيات والاحتمالات غير الواضحة، إلا أنه من الثابت الآن أن قواعد اللعبة تغيرت في سوريا. ذلك أن العمل العسكري من جانب المقاومة لايزال بوسعه أن يزعج النظام، ولكن فكرة إسقاطه باتت مستبعدة.
وفي أحسن الفروض، فإن إخراج الرئيس الأسد من المشهد لن يكون إلا في ظل صفقة أو اتفاق سياسي لا بد أن يكون للروس نصيبهم منها، وكذلك للإيرانيين، وفي الحالة الإيرانية فإن الوجود الروسي لابد أن يستدعي أسئلة حول موقف إيران وحزب الله من إسرائيل.
إذ ليس سرا أن القادة الروس يحتفظون بعلاقات طيبة مع تل أبيب، ولن يقبلوا من إيران أو حزب الله أي مساس بمصالحها في الوضع المستجد.
وفي هذه الحالة، فإن أثر الوجود الروسي سيكون له صداه في لبنان وفي العراق أيضا. ذلك أن أسهم إيران وحزب الله سوف تتراجع تلقائيا، لأن روسيا لم تأت لكي تصبح جزءا من ديكور السياسة في المنطقة، أو لتلعب دورا لا يتجاوز الكفيل لشخص نظام الرئيس الأسد.
ولكنها جاءت لتؤدي دورا باعتبارها قوة فاعلة متجاوزة لحدودها، وتأمين الأسد ونظامه يشكل جزءا من المهمة، أو الذريعة المعلنة لها، لكنه ليس الهدف النهائي والمهمة الأصلية.
وإذا وضعنا في الاعتبار أن نظام الأسد لا يسيطر على أكثر من 20 في المائة من الأراضي السورية، فذلك يعني أن الروس بصدد إقامة «منطقة خضراء» للرئيس الأسد ورجاله ونظامه، مماثلة لتلك التي أقامها الأمريكيون في بغداد، وخصصوها لرموز النظام العراقي وأجهزته الحيوية.
ليس مستبعدا أن ترحب الأقليات بالحماية الروسية لأسباب مفهومة، وهي معذورة في ذلك لا ريب، بعد الذي أعلن وشاع عن ممارسات داعش وأخواتها بحق غير المسلمين. كما أننا لا نستبعد أن تتقارب فصائل المقاومة من بعضها البعض لتصطف في مواجهة العدو المشترك الذي قدم لحماية الخصم الأصلي المتمثل في الأسد ونظامه.
ورغم أن التركيز الروسي منصب على الغارات، إلا أننا تعلمنا من تجربة الحرب في اليمن أن الغارات لا تكفي في حسم أي معركة، ولأنه لا بديل عن مشاركة القوات الأرضية.
لذلك ليس مستبعدا أن تطلق يد الروس في شن الغارات، وأن يعتمد في المعارك الأرضية على الجيش السوري المنهك، إضافة إلى القوات الإيرانية وعناصر حزب الله والمليشيات الأخرى التي قيل إنها جاءت من العراق واليمن.
لا نستبعد أيضا أن يقوى الوجود الروسي من ساعد فصائل المقاومة التي قد تجذب آخرين من خارج البلاد، بدعوى أن روسيا اصطفت إلى جانب الدولة الشيعية والنظام العلوي، في مواجهة تطلعات القوى السنية، وليس ذلك مجرد تخمين أو افتراض لأن الدول الداعمة للمقاومة السورية تحدثت عن تعزيز مساعداتها لمواجهة التدخل الروسي المزود بالسلاح الحديث.
وإذا ما تحقق ذلك، فإن التصعيد العسكري سيكون حتميا، كما أن الخسائر البشرية والضحايا من المدنيين سيتضاعف أعدادهم.
ولأن روسيا لم ترسل قواتها لكي تكتفي بمهمة كفالة حماية نظام الأسد، فليس مستبعدا أن تقوم بدور إيجابي في الأزمة اليمنية، ومن المعروف بأن موسكو كانت طرفا داعما لدولة الجنوب إبان الحقبة السوفييتية.
كما أن وفدا يمثل الرئيس السابق علي عبد الله صالح زار موسكو قبل أسابيع عدة، فعلاقة الشراكة التي نسجت بين طهران وموسكو لحماية نظام الأسد مرشحة لأن تسهم بدور فعال في التعاطي مع الملف اليمني الذي تتولى فيه طهران مساندة الحوثيين.
لئن بدا أن التدخل الروسي قلب الطاولة في المنطقة كما يقال، فذلك تقرير مشهد البدايات، أما المآلات والنهايات فإنها تظل مفتوحة على جميع الاحتمالات، وذلك شأن الحروب دائما، قد يتم التحكم في رصاصاتها الأولى، لكن مصير الرصاصات الأخيرة لا يمكن ضمانه، حيث يظل دائما في علم الغيب. وقد يسفر عما لم يخطر على البال في البدايات.