«روزاليا».. زوجة علي يعته التي تزوج شمعون ليفي شقيقتها
ولد علي يعتة بتاريخ 25 غشت 1920، بمدينة طنجة التي كانت تعيش تحت الوصاية الدولية، من أب يتحدر من منطقة القبائل في الجزائر، قبل أن يغادر الجزائر تحت وطأة الحكم الاستعماري الفرنسي، ليستقر منذ عام 1911 بمدينة طنجة، إلى غير رجعة. تزوج «السي سعيد»، خلال تواجده في طنجة، من فتاة ريفية تدعى «فاطمة بن عمار»، وقرر الاستقرار في شمال المغرب، بعدما أصبح إطارا في شركة التبغ.
رزق الزوجان بوليد اختارا له اسم «علي»، وألحق في طفولته بكتاب قرآني، قبل أن ينضم إلى المدرسة الابتدائية الفرنسية- العربية، بحي مرشان، حيث تتلمذ على يد الشيخ عبد الله كنون، الذي أصبح بعد الاستقلال، الأمين العام لرابطة علماء المغرب. وفي سنة 1933 انتقل علي يعتة، صحبة عائلته إلى مدينة الدار البيضاء، وفي هذه السنة، دخل علي ثانوية «ليوطي» ومكث فيها إلى سنة 1941.
بالموازاة مع ذلك، حرص الأب على تعليم ابنه علي اللغة العربية على يد الشيخ أحمد السباعي الشنقيطي، وعلى يد أحمد الحمداوي، مدير مدرسة «النجاح» الحرة. وبعد حصوله على الباكلوريا انتقل إلى كلية الآداب بالجزائر حيث حصل على شهادة الدراسات التطبيقية.
إلى هنا لازال هاجس الزواج يخاصم عليا، الذي قرر التزوج بالنضال السري، وكان يعتقد أن الزواج قد يقيد تحركاته، قبل أن يتعرف على فتاة إسبانية تتقاسمه الهواجس النضالية نفسها والأفكار الإيديولوجية ذاتها، تدعى «روزاليا»، المتشبعة بالفكر الشيوعي، لذلك وجد فيها علي ضالته وقرر وضع حد لحياة العزوبية، لكن رفاقه في درب الحركة الوطنية عاتبوه على الزواج من أجنبية، وحاولوا فرض «فيتو» سياسي على الزفاف، الذي قاطعوه حين تمسك علي بموقفه ودعاهم لعدم الخلط بين الشأن النضالي والحياة الخاصة للمناضلين.
يحكي خالد الجامعي عن هذا الموقف في أكثر من بوح، ويقول: «في حفل زفاف السي علي يعتة رفض رموز الحركة الوطنية حضوره، من منطلق أن علي يعتة تزوج من امرأة إسبانية، لكن أبي لم يأبه بهذه الأمور وكان من أوائل من لبوا دعوة صديقه الشيوعي مباركا ومشجعا، فعلاقته بوالدي فاقت كل التوقعات، فعندما كان علي يعمل في السرية لم يكن أحد يعرف مكانه، حتى رفاقه في الحزب الشيوعي، وحده أبي كان يعرف مخبأه، وحين أراد أبرهام السرفاتي الوصول إلى علي يعتة كان الحاج بوشتى الجامعي هو من يصطحبه إليه».
في أيام زواجه الأولى عانى علي من موقف بعض المقاومين، الذين كانوا ينتقدون بشدة مواقفه من التسامح الديني، لأنه لم يكن يفرق بين شيوعي ويهودي ومسلم ومسيحي، «طالما كانوا وطنيين يناضلون من أجل عزة واستقلال ورفاه الوطن».
أدارت «روزاليا» ظهرها للاعتراضات، وقررت مرافقة زوجها في معاركه السياسية، كما عرفت بلمساتها الإنسانية مع أهالي الحي، وكان الكثير من المرضى والمعوزين يجدون لديها ضالتهم، حيث كانت تطلب من زوجها التدخل للمرضى بأوبئة تلك الفترة من (جذري وعواية وكَوب) لدى مصحة «الكامب»، التي كان يديرها الفرنسيون في الدار البيضاء، لتلقي العلاجات، فكان يقدم كثيرا من الأطفال على أنهم أبناؤه، لأن يعتة كانت له أصول من الجزائر التي ظل الفرنسيون يعتبرونها مقاطعة من المقاطعات الفرنسية.
رزق علي وروزاليا بأربعة أبناء، وهم: التوأمان «نادر» و«فهد» والبنتان «ليلى» و«سامية». منهم من ولد بباريس في وقت كان والدهم يعيش في المنفى، وجلهم تابعوا دراستهم الجامعية في روسيا في الطب أو الصحافة. لكن الأسرة عاشت فواجع في وفاة أفراد هذه الأسرة، إذ مات نادر، الذي كان يعمل صحفيا سنة 1996 بداء السرطان الرئوي. وقبل أن تنسحب النكبة من بيت الأسرة، توفي علي بعد عام على فقدان ابنه نادر، حيث تعرض لحادثة سير ما زالت لغزا محيرا. ولأن المصائب لا تأتي فرادى فقد اختطف الموت، على حين غرة، الدكتورة ليلى يعته، ابنة «السي» علي يعته، مؤسس الحزب الشيوعي المغربي، وهي تؤدي واجبها المهني في إحدى المصحات التي تشتغل بها مولدة.
فارقت الدكتورة ليلى يعته الحياة إثر أزمة قلبية باغتتها مباشرة بعد عملية توليد لإحدى السيدات بالمصحة التي تعمل بها. فما أن فرغت ليلى يعته، المتخصصة في أمراض النساء والتوليد، من مساعدة سيدة حامل على الوضع حتى فقدت الحياة بقاعة التوليد ذاتها، وهي الأزمة التي لم تمهلها رغم تدخلات زملائها الأطباء المتواجدين بالمصحة، في مشهد أكد أن الحزن هو المكتوب.
شيع جثمان نادر وشقيقته في مقبرة «الشهداء» بالدار البيضاء، غير بعيد عن قبر والدهما علي، وظلت الأسرة تخلد ذكرى الرحيل بكثير من التأثر، في تأبين يحضره اليهود والمسلمون والمسيحيون، سيما وأن الفقيد ظل مقربا من الطائفة اليهودية مناصرا لها، ورفيقا لرئيسها شمعون ليفي الذي تزوج «إنكارناسيون»، شقيقة «روزاليا»، فكان الانصهار بآصرة الفكر والدم أيضا.