يسرا طارق
رغم أنني من جيل لم يعش الحماس الوطني الكبير لإطلاق المسيرة الخضراء، ولم يقف طيلة النهار في الطرقات مودعا ومستقبلا، قوافل الشاحنات التي كانت تحمل المشاركين، فإنني، أنا وجيلي، عشنا أجواء المسيرة الخضراء، بشكل أو آخر، من خلال ترديد الأغاني الوطنية العظيمة التي أبدعت في تلك الأيام، بسرعة، ولكن بعمق وإخلاص، وجاء من غنوها إلى الأستوديو بلباس الحياة اليومية، ليهبوا الحياة الوطنية وهي في ذروة تأججها، أغنيات خالدة، مثل (صوت الحسن ينادي، ويا الله يا خويا يا الله، و350 ألف من أفراد شعبك…)، صارت جزءا من الثقافة الوطنية، وعشنا أجواءها من خلال الأشرطة الوثائقية، التي خلدت ملحمة عرش وشعب، في استرداد جزء عزيز من ترابه الوطني، ومن خلال، أيضا، تلك الأنشطة المدرسية التي كنا نردد فيها جماعيا قسم المسيرة، ونمثل في مسرحيات تستعيد الحدث منذ خطاب، جلالة الملك، المغفور له، الحسن الثاني، حتى سير 350 ألف مواطنة ومواطن، بصدور عارية، نحو الحدود الوهمية التي تفصل رمل الصحراء عن حضن الوطن.
كانت المسيرة الخضراء، حدثا كبيرا ومفصليا، عبر فيه المغاربة بكل أطيافهم ومستوياتهم ومناطقهم، عن تشبثهم بوحدة ترابهم، واستعدادهم لتقديم كل التضحيات اللازمة لاستعادة ما سلب منهم.
ساعات بعد الخطاب التاريخي لإطلاق المسيرة، غصت كل مكاتب التسجيل، بالراغبات والراغبين في المشاركة. لقد توقفت الحياة اليومية في كل ربوع الوطن، وتوجه الناس بأرواحهم ومصائرهم نحو الصحراء. يكفي أن أذكر هنا بأن المفكر الكبير، الأستاذ عبد الله العروي، ذهب للتسجيل كمتطوع في المسيرة..
احتجنا روح المسيرة، بما هي سير للوطن بقلب واحد، وصوت واحد، وخطوة واحدة، نحو تحقيق أهداف وطنية عليا، ما لا يحصى من مرات في تاريخنا الممتد والعريق، وسنحتاجها دوما لتجاوز المحن ورفع التحديات. لا يتردد المغاربة أبدا في التضحية بكل شيء من أجل وطنهم، وهذا ما أبقى هذا البلد واقفا على رجليه دوما، يتلقى الضربات بشموخ وعزة، ويعرف كيف يردها بتصميم.
لم تنته المسيرة الخضراء أبدا، عاد المشاركون فيها إلى دورهم، واستمرت روحها وفلسفتها. لا يمكن أن نربح رهانات التنمية، واحترام حقوق الإنسان، ومحاربة الفساد، وإحقاق العدالة المجالية، دون أن نسير جماعيا نحو ذلك بتصميم وعزم.