روبير مونتاني اثنولوجي…نبش في سيرة القياد وقام بتصنيفهم وساهم في قرارات تعيينهم
حسن البصري
كانت العاصمة الرباط تخلد اسمه في زقاق بحي الليمون، لكن ما أن توفي الرجل حتى سقط الاسم بالتقادم، إلا أن مدينة لومونس الفرنسية، مسقط رأسه، وضعت اسمه على أحد أكبر شوارعها، احتراما لأحد رجالاتها.
ولد روبير مونتاني يوم 19 يناير 1893، بمدينة لومونس، وتوفي يوم 26 نونبر 1954 في نويي سور سين، بعد أن اعتبر معلمها الأول بحكم اشتغاله طويلا في سلك التعليم. لكن، بالرغم من مغادرته المغرب، إلا أن روبير تردد عليه بعد الاستقلال في زي سائح تارة وباحث تارة أخرى.
مباشرة بعد احتلال المغرب من طرف فرنسا وإسبانيا، حل روبير مونتاني بالمغرب في إطار بعثة لمجموعة من الاثنولوجيين الفرنسيين، حلوا بالمغرب للقيام بعمل ميداني وكانوا إما طلابا في الجامعة أو باحثين مهتمين بتاريخ الدول الإسلامية، خاصة تلك التي توجد تحت النفوذ الاستعماري الفرنسي. وبعد الحرب العالمية الأولى 1914-1918 استدعي روبير من جديد إلى المغرب للعمل في المسح الطوبوغرافي، واختاره المقيم العام الفرنسي بالمغرب المارشال ليوطي ليكون مستشارا له في ما يخص القضايا القبلية ومد له يد المساعدة من أجل إنجاز بحوث ودراسات ستتحول إلى أسس وركائز علمية لسياسته، خاصة وأنه راهن على العلوم الاجتماعية «كأداة مفيدة ومتعالية في مجال الهندسة الاجتماعية»، بل إن ليوطي وضع على رأس فريق العمل عالم الاجتماع ميشو بلير، وأسماه «القسم السابع» وقد عرفت البعثة تحت إدارته غزارة في الإنتاج، ويتعلق الأمر بإعداد جملة من المصنفات والمحفوظات.
«كلف مونتاني، الذي كان ضابطا في المخابرات السياسية بالبحرية، من طرف ليوطي بدراسة أصول السلطة عند القياد الكبار ودراسة القبائل المتمردة في الجنوب المغربي، وهي قبائل معروفة بتنظيماتها المميزة والمحكمة، لقد كان روبير على دراية بوسائل الإخضاع التي طبقها على القبائل عن طريق فكرة التهدئة التي أثمرت نتائج تؤكد خبرة مونتاني»، كما يقول الباحث السوسيولوجي محمد الغيلاني.
ويزكي المفكر المغربي عبد الله العروي هذا الطرح، ويقول إن روبير مونتاني من أهم علماء السوسيولوجيا الكولونيالية. «على الرغم من الانتقادات التي وجهت لنظريته تظل أطروحته الأطروحة الوحيدة بالمعنى الدقيق للمصطلح طيلة الفترة الاستعمارية، حيث سيبلور نظرية تفسيرية عامة للمجتمع الإفريقي الشمالي..، إلى جانب أطروحته حول الكشف عن أصول سلطات القياد الكبار بالجنوب وبحثه في شروط ولادة البروليتاريا المغربية»، وهو ما مكنه من تصنيف رجال السلطة وتسهيل عمليات تتبعهم.
في كتابه «البربر والمخزن»، اهتم روبير مونتاني بدراسة القبائل البربرية في منطقة سوس بالجنوب المغربي، واستعمل في وصفه لواقع المنطقة مفاهيم ذات وقع خاص، مثل استخدامه لـ«الجمهوريات البربرية» أو «الدولة البربرية الصغيرة»، تعبيرا عن نمط المؤسسات السياسية والاجتماعية القائمة.
ظل روبير يحن دوما للفصول الدراسية، حيث هرب من مكاتب الإدارة وفضل صفة محاضر في معهد الدراسات العليا المغربية في الرباط مابين 1924 و1930، واستكمل دراسته فحصل على شهادة الدكتوراه سنة 1930 تخصص الأنثروبولوجيا السياسية. وحين أجبر على الإشراف على مؤسسات علمية فقد كان يزاوج بين التعليم والإدارة، خاصة عندما ترأس مكاتب الشؤون الأهلية، ومركز الدراسات العليا الإسلامية والمعهد الفرنسي للدراسات العربية، ثم «كوليج دو فرانس».