بعد شهور من الأزمة الحادة في مجال التعليم، والتي كلفت بلدنا الكثير من الخسائر المادية والرمزية، والتي سيظهر أثرها خلال السنوات المقبلة، آن الأوان بعد نشر النصوص القانونية الخاصة بالنظام الأساسي والتعويضات والمعاشات والأكاديميات للانتقال من مرحلة المطالب الاجتماعية إلى مرحلة تنزيل الجودة في التعليم.
إن الجودة المطلوبة لا تحدث مصادفة، بل يجب أن يكون مخططا لها، عبر جملة من المعايير والمقاييس وصولا إلى المنتج النهائي، وهو التلميذ المغربي منتوج المدرسة العمومية.
ومع أن رهان الحديث عن الجودة في المنظومة التعليمية المغربية يبدو متأخرا، إلا أن الموضوع لم يعد خيارا.. بل أصبح حتميا، وهناك تهديدات بالغة الخطورة عند كل تأخير لتنزيل الجودة، فعندما يكون هناك تعليم عمره 60 عاما وتجد خريجيه يعانون في سلم الترقي الاجتماعي والهدر الحاد، الذي يرمي سنويا نصف مليون تلميذ وطالب في الشارع، فهذا خطر كبير على البلاد وأمنها الاجتماعي واستقرارها السياسي.
لذلك ليس هناك من خيار اليوم، أمام صناع القرار التعليمي والفاعلين داخله، سوى العمل بمنهجية الجودة بالمعايير الدولية، حتى يكون هناك أثر للتعليم على مستوى الترقي الاجتماعي، ويتحقق الرضى داخل ملايين الأسر عما يتلقاه أبناؤها من مناهج وبرامج تجعلهم في أمان اجتماعي بعد سنوات من التلقين.
والأكيد أن جودة التعليم لا تعني تغيير البرامج والمناهج فقط، بل إحداث ثورة حقيقية في ذهنية الشغيلة التعليمية، فلا يمكن أن ننتظر نتائج في الجودة عن طريق موارد بشرية مليئة بالاختلالات، وما لم تتغير ثقافات أداء الأستاذ وتتحقق ميزة الجودة في انتقاء المدرسين، فإن تحقيق الجودة سيكون مستحيلا، وبالتالي لن يكون لنا ترتيب على الخريطة التعليمية العالمية.