باريس: المعطي قبال
يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة إلى ثلاث دول إفريقية هي الكاميرون، البينين وغينيا بيساو. وضعت هذه الزيارة التي تستغرق أربعة أيام، تحت شعار الأمن الغذائي والعسكري. اختيار هذه الدول الثلاث لم يأت بالصدفة، بل يترجم حسابات سياسية واستراتيجية، الغاية منها إعادة تسجيل الحضور الفرنسي بالقارة، بعدما عرف تراجعا، بل انتكاسة في الأعوام الأخيرة. فالكاميرون التي يزورها ماكرون للمرة الأولى، تعتبر البلد الإفريقي صاحب الوزن الاقتصادي الثقيل وسط القارة. أما البينين فهي عرضة لأطماع الحركات الأصولية، مثل تنظيم القاعدة بوكو حرام، فيما تبقى غينيا بيساو البلد الذي تتوالد وتتوالى فيه الأزمات.
وبما أن ماكرون مهووس بـ«البيزنس» وإعادة توطين فرنسا بالقارة، فإن الملف الزراعي والفلاحي، وكذا محاربة الحركات الجهادية الموجودة بشمال الكاميرون، استأثرت بالمحادثات التي جرت بين إيمانويل ماكرون وبول بيا، البالغ من العمر 89 سنة، منها 40 عاما في الحكم.
غير أن هذه الزيارة تتم في ظروف سيكولوجية وجيو استراتيجية عصيبة، أهمها الشعور المتنامي والعدائي لفرنسا بالقارة الإفريقية. وقد انتشرت لافتات معادية لفرنسا في بعض البلدان الإفريقية، كما تظاهر الشارع ضد فرنسا في كل من مالي، تشاد وجنوب إفريقيا. هناك عداء صريح ضد فرنسا، تساهم روسيا ومجموعتها «فاغنر» على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي في تغذيته، بغية الحط من صورة فرنسا، وذلك بنشر وإشاعة الأخبار الملفقة عن «المذابح التي يقترفها الجيش الفرنسي»، الموجود ببعض الدول الإفريقية. ثم إن خروج بل طرد فرنسا من مالي، أظهر للشارع الإفريقي أن فرنسا لا تعدو كونها ماردا بأرجل من طين. كما أن الكثير من الأفارقة اشمأزوا من سياسة الكيل بمكيالين تجاه المهاجرين الأفارقة واللاجئين، الذين تلفظهم فرنسا، فيما تستقبل بسخاء الأوكرانيين بترحاب بالغ. عامل جيو- استراتيجي آخر لا يقل أهمية لهذه الزيارة، وهو رغبة ماكرون في الرد على «الدبلوماسية العدوانية» لكل من روسيا والصين، اللتين أصبحت بعض الدول الإفريقية ضمن صيد حراستهما، إما عن طريق نفوذ مجموعة «فاغنر» الروسية، وإما عن طريق الإغراءات الاقتصادية التي تقدمها الصين لبعض الدول الإفريقية. أمام هذه التحديات، على فرنسا لاستعادة دورها أن تلعب ورقة، بل أوراقا جديدة تقوم بالأساس على فسخ عقدة المعاهدة الاستعمارية التي ما زالت تشغل أدمغة الدبلوماسيين الفرنسيين، الاعتراف لإفريقيا بسيادتها على ثرواتها، إقامة علاقات اقتصادية ضمن شراكات متوازنة. زد على ذلك أنه إن لم تلعب فرنسا دورا رياديا لمساعدة إفريقيا في مواجهة حرب الجوع القادمة، فإن الخطابات المنمقة والنيات الحسنة التي تعرب عنها، لا تعدو كونها خداعا ونفاقا.