ركلات العداء
حسن البصري
عجز جدار الاحتراف عن صد اتهامات التخوين التي تقصف كل يوم عشيرة الكرة، لم تعد العقود والمواثيق قادرة على ضمان حق لاعب أو مدرب في الانتماء لهذا الفريق أو ذاك. نسي التونسيون قرار المدرب فوزي البنزرتي حين اعتذر للوداد بعد أن تلقى مكالمة هاتفية من تونس تدعوه لتدريب منتخب بلاده. قال الرجل للمغاربة «أنا ذاهب إلى تونس تلبية لنداء الوطن». قالوا: «آمين». وبعد أيام أنهى رئيس الجامعة التونسية مهامه بجرة قلم فتحول إلى عاطل، قبل أن يعود إلى الوداد وهو يردد كأطفال المدارس الابتدائية: «وطني وإن جار علي عزيز وأهلي وإن ظنوا علي كرام».
في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان، يجد الإعلام التونسي متعة في التنكيل بمناف المعد البدني للوداد، فليس فقط لأنه تونسي الجنسية بقميص الوداد، بل لأنه لا يتردد في الكشف عن عورات أبناء جلدته التونسيين، ويصف طريقة لعبهم بالخبث الكروي. مناف قال في الترجي ما لم يقله بورقيبة في بنعلي، كان الفتى تحت تأثير مباراة حارقة، وحين استعاد هدوءه اكتشف أنه هاجم عشيرته وأن رأسه مطلوب من تنظيمات الوسائط الاجتماعية بتونس، فبادر بالاتصال بمحطة تلفزيونية يعلن توبته من الكلام ويقدم فروض الاعتذار ويقول: «أنا غلطان ماشي أنت يا ترجي». اعتذر المدرب وآمن بأن الراعي الذي يفتخر بالذئب لا يحب خرافه، وقرر الإمساك عن الكلام، وفي خلوته اعترف لأحد اللاعبين بأن الصحافة تسحب لسانه قبل أن تهدأ أوصاله.
قال ضيوف البرنامج لمناف، كأنهم في حضرة طفل مشاكس، «قبلنا عذرك لا تكرر غلطتك»، ولأن غلطة الشاطر بألف، فقد حولها إعلام الترجي إلى موضوع للتخوين تارة والتكفير تارة أخرى، مع ما ترتب عن هذا السجال من تسميم المجتمع الكروي وتدمير ما تبقى من «فزاعات» الروح الرياضية المنتشرة في الملاعب، ما يفرض وقفة تحليلية سعيا إلى فهم ما يحدث للعقل الكروي، فالتخوين القائم على ادعاء احتكار الوطنية لا يقل ضحالة وخطرا عن التكفير القائم على زعم احتكار الدين.
لم يعد التخوين مصطلحا سياسيا فقط، بل إن مصطلحات العمالة والطعن في الانتماء والشرف الوطني اقتحمت الساحة الرياضية، يكفي ما حصل للاعب المغربي بوطيب حين سجل بقميص الزمالك المصري ضربة جزاء في مرمى لبراكنة، واحتفل بالهدف بطريقة استفزت كل المغاربة، حتى اعتقد الكثيرون أن الهدف سجل في مرمى فريق حيفا الإسرائيلي.
في نهاية الثمانينات قاد مدرب جزائري فريق الرجاء البيضاوي في مباراة نهائي كأس إفريقيا للأندية البطلة، تحمل رابح سعدان زخات الشتائم في وهران وهو جالس في كرسي المغاربة، وحين فاز الرجاويون باللقب، غنى للجزائريين «لحمام اللي ولفتو مشى عليا» وترك لهم حرية التأويل.
كل انتقال من ضفة الوداد إلى الرجاء أو العكس، يصنف في خانة «التخوين» حتى إن بعض الأندية وضعت في عقود لاعبيها شرطا غريبا يتعهد فيه بعدم حمل قميص الغريم كلما داهمته رغبة الانفصال. إذا سألت رجاويا أو وداديا عن النازلة سيجيبك من موقعه وسيقدم لك الأدلة الدامغة على حرية التنقل بين الضفتين إذا كانت الصفقة مربحة طبعا. وحين يختلي بنفسه أمام الفضاء الأزرق ينشر دعوة اللجوء لقضاء الشارع لكل من سولت له نفسه استبدال جلده الكروي، ويتحول إلى واعظ يقدم خلطة الدين والكرة والأخلاق بمقادير الحقد والضغينة. ومن غرائب هذا الصراع الأبدي بين الغريمين، إعلان قناة الأهلي المصرية طرد خمسة عشر عاملا، بسبب ميولاتهم الزملكاوية.
إلى مروجي فكر «التخوين»: ألم يكن خالد بن الوليد من كفار قريش وقتل المسلمين في معركة أحد، ثم أصبح سيف الله المسلول؟