فاز المنتخب المحلي الجزائري على منتخبنا الرديف بضربات الترجيح، وحجز لنفسه بطاقة العبور إلى نصف نهائي كأس العرب لكرة القدم، التي تحتضنها دوحة قطر.
تعادل الفريقان في مباراة تسللت إليها السياسة من خلف المرمى، وحين تقرر الحسم بضربات الترجيح، ردد المعلق التونسي رؤوف خليفة لازمته الشهيرة: «نار يا حبيبي نار لا تلعب يا حبيبي بالنار».
هي في حقيقة الأمر ضربات حظ، أو «ركلات» ترجيح ترجح كفة طرف على آخر.
اعتقدنا أن المباراة احتكمت لمنطق الترجيح بعد نزال طبعه التعادل، لكن سرعان ما تبنى حكام الجزائر انتصارا في ملاعب الكرة، وحولوه إلى مكسب سياسي بحثا عن «ركلات» من تحت الحزام، بعد أن خسروا معارك الحزام الأمني.
قبل أن يجف عرق اللاعبين، كتب رئيس جمهورية الجزائر عبد المجيد تبون لمنتخب بلاده تدوينة من محبرة الضغينة، كتب تبون مهنئا «مليون ونصف مليون مبروك يا أبطال»، مستعملا إحصائيات مستمدة من سجلات المجاهدين.
توالت التهاني من الراكضين وراء نصف فرصة انتصار، وقام شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، بتهنئة المنتخب المحلي لبلاده على صفحة «فيسبوك» لوزارة الدفاع، وفتح مكتب في وزارة الرياضة لتلقي التهاني على غرار برامج «أغاني وتهاني»، التي تبث على المحطات الإذاعية الجهوية.
لم يكتب الرئيس الجزائري تهنئة لمنتخب بلاده حين فاز على لبنان والسودان، ولم تهتم القيادة العسكرية بباقي المباريات، لكن حين يتعلق الأمر بمباراة ضد منتخب مغربي لكرة القدم أو كرة الطاولة أو النبال حتى، تتجند الأقلام وتتغنى الحناجر بالفوز وتطالب النقابات بجعل يوم المباراة عطلة سنوية، قد تكون فرصة للعفو عن معتقلي الكرة القابعين خلف قضبان سجون الجار المقلق.
تجاوزت القضية حدود الرياضة، ليتم الزج بكثير من المنافسات في غياهب النعرات السياسية، فما أن أعلن الاتحاد الإفريقي لكرة اليد عن تنظيم كأس أمم إفريقيا لهذه اللعبة في مدينة العيون، في الأسبوع الأخير من شهر يناير المقبل، حتى انتفض حكام الجزائر وأعلنوا قرار مقاطعة البطولة، وسخروا زبانيتهم لعرقلة تنظيم حدث رياضي في صحرائنا. وحين تأجل الموعد القاري خرجت فيالق الجيش الإلكتروني الجزائري لتروج لفرضية استبدال العيون بمسقط رأس تبون، ليأتي الرد سريعا من الاتحاد الإفريقي لكرة اليد ببيان يقول: «التأجيل لا علاقة له بالعيون». ضرب جيراننا كفا بكف، وترددت على مسامعهم العبارة الشهيرة للمعلق التونسي رؤوف خليف: «يا سلام هدف ولا في الأحلام».
يجد بعض «المؤثرين» الجزائريين في النزالات الرياضية بين المغرب والجزائر، فرصة لكسب حسنات في سجل علاقتهم بالنظام، تكتب خديجة بن قنة عن الكرة وعن الوطنية وهي متعددة الجنسيات، وتتحدث أحلام مستغانمي عن المباراة كعابر «سرير»، ويحشد حفيظ الدراجي «الهوائي» قلمه ليحول مباراة كرة إلى معركة بالرصاص الحي، بينما حول محللون جزائريون بلاتوهات الرياضة إلى ما يشبه برامج طبخ وجبات سريعة بخلطة الخداع والمكر، هكذا يقتادون الكرة إلى محاكم التفتيش ومعتقلات السياسة، رغم أنف «الفيفا».
للأمانة فإن ارتفاع حدة الاحتقان الكروي بين الشعبين لا يحسب لتبون وحده، فالرجل انضم طواعية إلى حاملي الحطب وإلى من وضعوا في جيدهم حبلا من مسد، فقد سبقه هواري بومدين إلى ممارسة الرقية السياسية وحجامة لـ«كوايرية»، قبل كل مباراة ضد المغرب.
لكن لسوء حظ بوخروبة أن الحسن الثاني يفهم طلاسم الكرة، ويعرف أثرها على الشعوب، فلا يتردد في وضع تشكيلة المنتخب المغربي كلما اقترب موعد مواجهة ضد الجزائر.
في سنة 1972، نزل بومدين إلى مستودع ملابس منتخب بلاده في ملعب العناصر بالجزائر العاصمة، وهنأ منتخب بلاده على هزم المغاربة بثلاثة أهداف لهدف واحد، وقرر تمديد مقام حكم تونسي طرد المدافع المغربي السليماني، ونال اللاعب الفيلالي حصة من الجلد أمام عيون البوليس.
وقبل مباراة الإياب وحين كان اللاعبون متوجهين إلى الملعب الشرفي على متن الحافلة، قرأ المدرب اليوغوسلافي فيدنيك التشكيلة على مسامع الجميع، وختمها بالقول: «هذه التشكيلة حددها الملك الحسن الثاني، ولا دخل لي فيها».
لكن الغريب في النزال أن المغرب انتصر بثلاثة أهداف لصفر، سجلها كل من بيتشو وباموس، ثم بوجمعة. فاز منتخب الحسن الثاني على منتخب هواري بومدين، وتمكن المغرب من العبور لأول مرة إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا، التي نظمت بالكاميرون، وكتبت الصحف عنوانا بارزا «تشكيلة الحسن الثاني تهزم بومدين».
ولأن النصر كان من صنع الملك، فقد توصل المدرب فيدنيك بقرار الإقالة بمجرد انتهاء المواجهة، غير أن الجزائريين عجلوا بالتعاقد معه بحثا عن رجل محشو بديناميت الانتقام، لكن اليوغوسلافي انتظر سنتين للانتقام من المغاربة، حين هزمهم وهو حينها مدرب للزايير.
ستظل الكرة محشوة بهواء السياسة الفاسد، إلى أن يتم تطعيمها بالجرعة الثالثة من لقاح الروح الرياضية.