رقمنة الإدارة
ما زال هناك تضخم مهول في الخطاب حول استكمال رقمنة الإدارات والخدمات العمومية، رغم بعض المجهودات التي تحققت حتى الآن. أما بلوغ هدف الحكومة الإلكترونية الذي انطلق منذ ما يناهز العقد فيبدو بعيد المنال إن لم نقل مستحيلا، ليس لعجز في الكفاءات التقنية بل لأن الرقمنة والابتعاد عن الخدمات الحضورية لا يخدمان لوبيات الفساد وعقليات الإدارة البالية التي ما زالت تعشش في كل بناية من البنايات العمومية.
لا نحتاج إلى تشخيص لأعطاب الإدارة المغربية، فأعلى سلطة في البلاد قال، في أحد الخطب الرسمية الموجهة للبرلمان، إن الإدارة تحتاج إلى إصلاح يتطلب تغيير السلوكات والعقليات وجودة التشريعات من أجل مرفق إداري عمومي فعال، في خدمة المواطن. إذن الجميع مقتنع بأن إدارتنا وخدماتها ليست في مستوى الانتظارات، وأن الفرصة الأخيرة لإصلاحها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتحول الرقمي الفعلي وليس الخطابي.
والأهم حينما ستدخل إدارتنا وموظفونا بالكامل عالم التحول الرقمي، ستكون كل البيانات متاحة وشفافة، وستتوقف كل الحيل والألاعيب والوسائل التي تجعل خدمات عمومية مجانية تتم بالمقابل، وسوف يعرف المواطن موعده في المستشفيات العمومية دون الحاجة إلى التدخلات والزبونية، وسوف يدفع الجميع الضرائب الحقيقية على أرباحهم ومداخيلهم، وستعرف الدولة حجم النشاط الاقتصادي القانوني للجميع بالفعل، وسوف يتراجع حجم الاقتصاد غير المهيكل الذي يعيش خارج الرقمنة، بل خارج القانون.
التحول الرقمي وحده ما سيجعل الأحكام القضائية قابلة للتنفيذ وغير معطلة، ويحمي المستثمر من هوس السلطة وفساد السماسرة وتعقيد المساطر، وسيجبر كل المسؤولين على إظهار ممتلكاتهم وثرواتهم ومصادر الحصول عليها، وسيمكن الدولة من توجيه الدعم بصورة صحيحة لمن يستحقه وفق قاعدة بيانات، ستفضح أمر كل من لم يستحق، وبالتالي توزيع الدعم العمومي الاجتماعي على عدد أكبر من المحتاجين.
لا أحد ينكر أن بعض القطاعات الوزارية، وجهات أخرى كثيرة في الدولة، تمكنت من حل جزئي لمعضلة الرقمنة ووضعت خدماتها على الشبكة العنكبوتية، لكن لم تصل بعد إلى واقع شمولي معيش على أرض الواقع بصورة نهائية، ومادام أن هناك تدخلات بشرية حضارية في أبسط الخدمات سيظل الفساد باسطا نفوذه وفارضا إرادته ومفوتا على بلدنا فرصة التنمية والاستثمار.