شوف تشوف

الرئيسية

رقصة الديك الأمريكي الذبيح

عيسى الشعيبي
ما يجري في أمريكا منذ أسبوعين من احتجاجات ترقى إلى ضفاف انتفاضة شعبية، ضد التمييز العنصري واختلالات نظام العدالة، وسوء أداء الإدارة، والافتئات على حقوق المواطنين السود، وكلها مسميات لشيء واحد، ليس المشهد الأخير من رقصة الديك الذبيح في لعبة حلاوة الروح التي يواصل الطائر المختال «أبو العيس»، بعد جز حلقومه، مشية الخيلاء التي فُطر عليها، على غير هدى وفي كل الاتجاهات، إلى أن تخمد أنفاسه، ويقع مضرجا بدمه.
هل ينطوي هذا التشخيص لحالة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ديك واشنطن المعجب بنفسه، على شيء من التفكير الرغائبي؟ وهل في الأمر شيء من الاستعجال في قراءة النتائج غير الحاسمة بعد؟ وهل تنطبق ديناميات الربيع العربي، والثورات الملونة في دول العالم الثالث، على بلد الحرية والديمقراطية والدستور، حيث المؤسسات وحدها تتكفل بإنجاز المهمة على أكمل وجه؟ ثم هل من الواقعي بناء توقعات عالية السقوف في هذه اللحظة، والتحدث عن تداعيات كبرى لهذا المخاض الأمريكي الهائل، تصب في صالح قضايانا العربية؟
من على بعد بعيد، نتابع المشهد الأمريكي بعين مراقب استفزته تحولات البيت الأبيض الانقلابية في عهد ترامب، إزاء القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية، لعلنا نرى في محصلتها بعض الضوء في نهاية نفق طويل ومسدود، دفعنا إليه دفعا رئيس طائش القرارات، أرعن السياسات. ولعلنا أيضا نشهد عما قريب أفول نجم المهرج الكبير عن سمائنا الملبدة بالقلق وخيبة الأمل، سيما وأن صورته المهشمة أصلا قد تدمرت منذ الآن، وأن حظوظه الانتخابية قد تضاءلت أكثر من أي وقت مضى.
وإذا كان من المحذور التسرع في بناء الاستنتاجات وعقد الرهانات، والمبالغة في إجراء مقاربات متفائلة بالمتغيرات الأمريكية الجارية على قدم وساق، فإن من غير الصحيح الاستخفاف بهذه الهبّة الشعبية العارمة في الدولة العظمى، أو الاستهانة بالتداعيات المرجحة على مسار مختلف شؤون العالم وشجونه، بما في ذلك قضايا هذه المنطقة الواقعة تحت نفوذ واشنطن الكاسح، الأمر الذي يجيز لنا استشفاف ما سيتمخض عن هذه الهبة، من مضاعفات إيجابية محتملة على راهن الشرق الأوسط وعلى مستقبله.
ولعل أول هذه التوقعات المتفائلة، أو قل إن أكثر ما نتمناه جميعا، هو أن يفضي المخاض الأمريكي الراهن إلى الإطاحة بترامب من سدة الرئاسة في الانتخابات الوشيكة، وأن نطوي مع شعوب الكرة الأرضية صفحة الرجل الذي وصفته مجلة «التايم» الشهيرة، على غلافها الخارجي وبالنص الحرفي، بأنه أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، وكتبت بالخط الأحمر العريض أنه مفرق وكاذب، لص وخائن، مستغل وعميل، مغتصب نساء ومغتصب حقوق، وهو ما يعكس رأي هذه المجلة التي تختار شخصية العام كل سنة، وما يوجز موقف النخبة الأمريكية إزاء رئيس جاء في زمن الغفلة.
وليس من شك في أن العالم بدون ترامب سوف يكون أقل خطرا، وأن أمريكا ستكون بعده أكثر تصالحا مع الشرق والغرب، إلا أن أشد ما يهمنا في المنطقة العربية المستباحة أن إسرائيل ستفقد، بذهاب الرئيس الأهوج إلى غير رجعة، من تصفه بالصديق العظيم، وتقول إنه هدية الرب لها. وفوق ذلك إن آخر دولة احتلال ستفقد أيضا قوة الدفع الوحيدة الكامنة وراء «صفقة القرن» المفصلة على مقاس أطماعها، وإنها ستفتقر بغيابه المرجح لغطاء عملية الضم المخطط لها آخر شهر يونيو الحالي، كما ستقف بمفردها أمام شجب العالم كله شهواتها التوسعية، من دون إسناد من حليف وحيد لا ثاني له.
ما كان لاستعارة مشهد الديك الذبيح من تحت وسادة الذاكرة المثخنة، وإسقاطه على وضع ترامب في هذه اللحظة الفارقة، أن تجد مسوغا كافيا لها، لو لم تتواصل الهزة السياسية الأمريكية العنيفة كل هذا الوقت، وتصل ارتداداتها الجانبية إلى كل مكان، بما في ذلك إسرائيل، أو قل مدللة الرجل البرتقالي، التي واتاها تماما وجود غشيم لئيم في البيت الأبيض، راح ينسج خيوط عمليات النهب والاستيطان على منوالها، ويضع كل ما اشتهته من توسع على مرمى قرار تنفيذي أحمق في متناول يدها، من القدس إلى الجولان إلى الضفة الغربية والأغوار، وكان الحبل على الجرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى