شوف تشوف

الرأيالرئيسية

رفع قانون الطوارئ

جرت على شبكة الإنترنت حملة لإلغاء قانون الطوارئ في سوريا، وبدأت الحملة بشعار حملة المليون، ولكن بمرور أسبوعين على بدء الحملة لم يرتفع الرقم عن ثلاثة آلاف وخمسمائة، وهو يدل على أن الناس ليسوا بهذا الحماس والوضوح والجرأة لكي يتخلصوا من كابوس الديكتاتورية. وكما يصف «إتيان دو لا بويسي» في كتابه «العبودية المختارة» أن الديكتاتورية مرض يبدأ برفض الجسم له، ثم الاعتياد عليه. كما يروض الحصان الجموح على تقبل السرج، والشعوب العربية خيل مسرجة للمغامرين.

ولطول عهد الاستبداد، فقد اعتاد المواطن العربي على الظلام، مثل الأعمى الذي يخشى النور كما جاء في قصة الكهف عند أفلاطون. والدعوة إلى إلغاء الأحكام العرفية إنسانية وخلاص للجميع، ويمكن أن يقول بها الإنسان في أي محفل بدون خوف. ولكن المواطن العربي لو سألته هل تعرف ما هي الأحكام العرفية؟ لاستمع إليك، ثم خرج من عندك فقال للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا؟ ومعه الحق فالأحكام العرفية مصطلحات لم نسمع بها سوى مترجمة. والمواطن العادي لا يعرف سوى اللغة اليعربية وفي مفرداتها العقيدة والحزب القائد وليس الديموقراطية.

وتقول فاطمة المرنيسي المغربية في كتابها عن الحداثة، إن قريبتها عندما سمعت كلمة الديموقراطية ظنتها منطقة جغرافية.. وإذا قمنا بشرح الكلمة للمواطن المنكوب، وقلنا له إن قانون الطوارئ يعني اعتقال أي إنسان على الشبهة في أي زمان ومكان ولحساب أي فرع أمني، وتعذيبه في أقبية المخابرات بموجب تقرير سري في اعتقال مفتوح.. لقال المسكين إنها حالتنا منذ أيام كافور الإخشيدي.

وعندما نتحدث للقروي عن الكود الوراثي أو رحلة بيجل إلى المريخ، فهو قد يتعجب من هذه الأخبار، ولكنه لا يعيش في المريخ، بل في جهنم أرضية. وعندما ترقص النحلة أمام قطيع النحل فتتحدث عن الحريات، قد يطرب للرقص، ولكنه محروم من فهم هذه الإحداثيات.

وهذا ما حدث في حملة الدعوة لرفع قانون الطوارئ. وعدد من وقع هزيلا ويخدم الديكتاتورية أكثر من رفع الديكتاتورية. ويمكن للفروع الأمنية أن تقول إن شعبا مكونا من عشرين مليونا، يتقدم منه ثلاثة آلاف أو خمسة للمطالبة برفع قانون الطوارئ، يعني أن بقية الأمة تريد المحافظة عليه. وهي حجة شيطانية، ولكن الفروع الأمنية بلغت من البطش وترويع المواطن أن يتعلم إبليس دروسا في أقبيتها.

والسؤال لماذا لم يرتفع عدد من وقع، كما توقع من أطلق الحملة؟ والجواب منوع الأسباب، ولكن الخوف يأتي على رأس القائمة. ومعظم من يوقع حاليا هم من المغتربين الذين أمنوا على أنفسهم من الزلزلة بحمل جواز سفر أجنبي، وهو لا يخيف النظام، بل يجعله ينام قرير العين هانيها.

وهناك امرأة اعتذرت عن التوقيع، لأنها تنتظر أوامر من زوجها بالسماح لها بذلك. وهناك من يخاف إن دخل الحدود أن يكون اسمه قد أصبح في خانة المطلوبين إلى تسعة عشر فرعا أمنيا. وما يعلم جنود النظام إلا هو؟ وهناك من يعتقد أنها حملة مشبوهة خلفها الفروع الأمنية الإبليسية نفسها التي ولغت في دماء المواطنين، وأتقنت تدريب المواطن أن لا يفتح فمه إلا بنعم.

وروى لي شخص عن ظاهرة طبية تستحق التسجيل، وهو رجل خرج من المعتقل بعد سنوات طويلة، وقد انعدمت إرادته. ويبدو أن الرجل تحت الخوف من ألم التعذيب تحول إلى آلة، فلا يتصرف إلا إذا أمر ولا يغير إلا إذا أُمر. هكذا تدرب خلال سنوات طويلة، وهكذا خرج وقد مسحت إرادته.

وروى لي من اجتمع به أنه يأكل إذا أمر ويستمر في الأكل حتى يطلب منه التوقف. ويقف إذا قيل له قف، ويبقى واقفا حتى يطلب منه أن يجلس. وإذا طلب منه أن يذهب إلى الحمام لقضاء الحاجة، بقي فيه حتى يطلب منه الخروج. وهي حالة نادرة جديرة بتسجيلها في الكتب الطبية النفسية، عن روعة الإبداع الأمني في عالم العروبة. والمهم فبدل أن تتحول حملة رفع قانون الطوارئ إلى مطلب ضاغط على النظام الشمولي، أصبحت لوحة سريالية تذكر بشغب المراهقين، الذين يكتبون بسرية على جدران دورات المياه، اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون. فواحد يشتم وثان يلعن وثالث يعد بالانتقام. ومن اختفى تحت اسم مستعار أكثر ممن صرح باسمه. ولا غرابة في ذلك وما يكون من نجوى ثلاثة إلا كان المخبر السري رابعهم ولا خمسة إلا وهو سادسهم.

وكما يقول الكواكبي، فالأمة التي لا تشعر كلها أو أكثرها بالحاجة إلى الحرية لا تستحق الحرية.. ولا ننسى أن نختم المقالة بأن النظام البعثي العبثي أعلن أخيرا رفع القانون، ولكن استبدله بما هو أدهى وأمر.. تقولون ما هو؟ إنه قانون مكافحة الإرهاب بفرق خاصة تقتحم البيوت تحمل اسم فرق المداهمة والاقتحام، وهي مسلحة برشاش مولوتوف والطبنجة وخنجر الحشاشين.

 خالص جلبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى