رعاة جدد
حسن البصري
الرفاق حائرون يفكرون يتساءلون يتهامسون في جنون، يتحسسون رؤوسهم بعدما ضرب إعصار الانتخابات الرهيب فرقا رياضية لطالما تحصنت بمسيرين مدعمين من العدالة والتنمية، وجعلوا منهم أحزمة السلامة ضد مطبات الطريق وعاديات الزمن.
الآن وقد صففت المجالس المنتخبة شعرها وشفطت دهونها، واستبدلت القناديل بمصابيح جديدة، تبين أن الفرق الرياضية أصبحت في عهدة رؤساء جماعات ترابية وبرلمانيين ومستشارين جدد، بعد أن خفت ضوء القناديل وغادروا كراسيهم مكرهين.
نحن اليوم أمام مشهد اختلطت فيه السياسة بالكرة، بعد أن جلس كثير من رؤساء الفرق على كراسي مسؤولية مجالس منتخبة، ووقعوا تفويضا على بياض لمن لمسوا فيهم القدرة على تدبير شأن الفريق بالنيابة.
بالأمس كانت السلطة تحكم قبضتها على الأندية المغربية، وكان البصري حاكما لنهضة سطات والمديوري متعهدا للكوكب المراكشي، والمعطي بوعبيد وصيا على الرجاء البيضاوي، ومولاي أحمد العلوي رئيسا شرفيا للوداد الفاسي، وأحمد عصمان درعا واقيا للمولودية الوجدية، والدليمي جدارا أمنيا للاتحاد القاسمي، وحسني بن سليمان راعيا للجيش الملكي، وبنهيمة منارة يهتدي إليها المسفيويون، كما وقف حدو الشيكر في بوابة اتحاد الخميسات، وظل الطاهري الجوطي عين الوداد التي لا تنام، والوزير عمر بوستة مفوضا حكوميا للمغرب الفاسي، وعاش أرسلان الجديدي مرابطا في خندق الفريق الدكالي، وقس على ذلك من القامات التي كانت تحرس فرقنا وتحميها من تقلبات الكرة. لا يقتصر الخوف والقلق على مباراة واحدة، فلكل خادم من خدام الدولة فريق يحميه من غارات الصحافيين وصفارات الحكام ومناورات المسيرين.
يحكي مدير الإذاعة الوطنية السابق، عبد الرحمن عشور، في كتابه: «رجل سلطة في الإذاعة»، عن تسلل السياسة إلى الرياضة، وكيف عاش زمنا اختلطت فيه السلطة بالكرة:
«رن هاتف مكتبي مساء ذات يوم خريفي، وكان على الخط إدريس البصري وزير الداخلية والوصي على الإعلام، دون مقدمات سأل باستعجال «هل يلعب نهضة سطات هنا في الرباط؟». وضع الوزير السماعة بعد أن اكتشف أن شأن النهضة لا يشغل سوى أهل الشاوية وانصرف غاضبا». منذ تلك اللحظة أصبح المدير مدمنا على مباريات الفريق السطاتي يحفظ عن ظهر قلب نتائج مبارياته الودية والرسمية ويعرف أرقام أحذية لاعبيه وأسماءهم الثلاثية.
في المباريات التي كانت تجمع فريقين لهما راعيان رسميان مشبعان بالسلطة، تعيش مصلحة الرياضة في دار لبريهي حالة طوارئ، تبحث من بين المعلقين الرياضيين عن معلق محايد ليست له سوابق في مناصرة هذا الفريق أو ذاك، ويبدأ البحث في سيرته من جذور سجلات الحالة المدنية.
تغيرت المعطيات وأصبح لكل فريق رئيس في جماعة ترابية يرعاه عن قرب، يعيد الحياة للمرافق الرياضية المغلقة ويضع رهن إشارته أسطول النظافة ويعزز تركيبته بموظفين جماعيين على سبيل الإعارة، ويفتح الصنابير المغلقة ويغير مجرى الدعم نحو حقول الكرة القاحلة.
حين انتخب رئيس فريق لكرة القدم على رأس مجلس جماعي، تسللت إلى كلمة، ألقاها في حضرة المستشارين الجدد، مفردات من ملاعب الكرة، قال إنه سيعيد الجماعة إلى مصاف «الفرق» الرائدة، وسيجعل منها «بطلة» بلا منازع، فنبهه رفاقه إلى تشويش الكرة على السياسي فاستعار ابتسامة أنقذ بها هفوته وقال: «صدقوني جمهور الكرة أكثر إلحاحا من السكان، إنهم يريدون نتائج كل أسبوع فيما المواطن العادي له قدرة خارقة على الصبر فلا يطالبونك بتغيير المدرب عند كل عثرة».
كثير من رؤساء الفرق الرياضية وعدوا ممثلي الجمهور بجعل الجماعة في خدمة النادي، وحين يدخلون مقر البلدية أو المقاطعة يقسمون على جعل النادي في خدمة المجلس، بل إن بعض فصائل المشجعين أصرت على الهتاف أمام الجماعات مرددة «نلعبو عليها ونجيبوها والله ما تروحي». وأخرى حملت على الأكتاف رئيسا فائزا رغم أنه لا أحد يستحق أن نحمله على أكتافنا في هذا البلد سوى قنينة غاز البوتان.