رسالة ملكية ضد الفساد
في رسالة وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في الندوة الوطنية المنعقدة تخليدا للذكرى الستين لقيام أول برلمان منتخب في المملكة، دعا إلى تخليق الحياة البرلمانية، من خلال إقرار مدونة أخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم.
لا شك أن الخطب والرسائل الملكية تختار بعناية فائقة مضمونها وتاريخها، لذلك ليس من باب الصدفة أن تأتي هذه الرسالة، بالتزامن مع حملة اعتقالات ومحاكمات بالقضاء المالي والزجري همت برلمانيين، وقائمة طويلة من قرارات القضاء الدستوري بتجريد من الصفة البرلمانية والتي وصلت حتى اليوم إلى ما يناهز 30 برلمانيا.
والحقيقة أن الرسالة الملكية جاءت لتضع النقاط على الحروف في مؤسسة بدأت تفقد الكثير من صورتها، وكما أن الرسالة جاءت أيضا لتجعل من تخليق الحياة البرلمانية أمّ المعارك داخل الطبقة السياسية، خصوصا وأن رقعة الزيت في طريقها إلى الاتساع، فلم يعد وجود كائنات فاسدة يمثل ظاهرة معزولة فقط، بل تحول إلى ظاهرة متعددة تجتاح المنتخبين.
ومن باب الصراحة أن جزءا كبيرا من مظاهر الإساءة للبرلمان يقع على عاتق الأحزاب نفسها، لأن كثيرا منها فقد البوصلة وأصبح يقبل بكل شيء ويغض الطرف عن أي شيء، من أجل الظفر بمقعد برلماني، مما سمح لعدد من البرلمانيين الفاسدين بأن يفعلوا ما يريدون بعدما بسطوا سلطتهم على عدد من الأحزاب وعملوا على تمويل أنشطتها بالمال المشبوه، مما يشكل خطرا على مسار الاختيار الديمقراطي بالبلاد باعتباره أحد الثوابت الجامعة.
إن ثقافة الفساد والاختلالات المالية التي انتشرت بشكل وبائي داخل البرلمان تحتاج إلى مدونة قانونية ملزمة يترتب على خرقها جزاء، فلا يعقل أن تتابع المحاكم عددا من البرلمانيين، ثم يسمح لهم بالحضور خلال افتتاح الملك للبرلمان، أو يترأسون لجانا برلمانية كما حدث مع محمد مبديع، أو يصلون إلى منصب رؤساء العلاقات المغربية الأوروبية أو الصداقة، مع أن بعضهم ممنوع من السفر، بسبب قضايا رائجة أمام المحاكم.
أي صورة نريد أن نقدم للعالم ببرلمانيين متابعين ماليا وجنائيا، وفي الوقت نفسه يتحصنون بمناصب المسؤولية في البرلمان، لذلك تأتي الرسالة الملكية لتقول للطبقة البرلمانية ومن خلالها الطبقة السياسية، كفى من كل هذا العبث.