رسائل انتخابات الحسيمة ومكناس
قد لا تكون الانتخابات الجزئية التي جرت بدائرتي الحسيمة ومكناس المعروفتين بوعيهما السياسي، قادرة على قراءة كل المشهد السياسي ولربما لن تتأثر المواقع السياسية بنتائجها، لكن على الأقل يبقى ما أسفرت عنه هذه الانتخابات من نتائج مؤشرا كميا وكيفيا ضمن مؤشرات أخرى ومدخلا صالحا لفهم ما يجري في الواقع. وبقليل من المعاينة يمكن استخلاص العديد من الرسائل التي بعثتها الانتخابات الجزئية رغم محدودية أثرها السياسي، ومنها:
الرسالة الأولى انتهاء «أثر» بنكيران، فلم يعد لشعبوية الرجل وعنفه اللفظي أي مفعول سحري على نتائج الانتخاب وميولات الناخبين، كما كان في استحقاقات 2011 و2015 و2016. لقد ظهر جليا أن الأشهر العشرة التي عاد فيها رئيس الحكومة الأسبق لقيادة حزبه، لم تخرج “المصباح” من عالم الهزيمة النفسية والسياسية التي يعيشها، ورغم العشرات من الفيديوهات التي بثها بنكيران لمحاولة رتق بكارته السياسية، فإن الجواب السياسي كان واضحا، مفاده نحن غاضبون بالفعل من الحكومة لكن لن نغير السيئ بالأسوأ منه.
الرسالة الثانية تتمثل في انهيار أسطورة القاعدة الانتخابية القارة لـ”البيجيدي”، ورغم أن نسبة المشاركة كانت جد منخفضة ما يسمح للأحزاب التي تتوفر على زبناء قارين بأن يفوزوا بها، إلا أن الحزب الحاكم السابق أثبت، بما لا يدع مجالا للشك، أنه لا يتوفر على أي قاعدة انتخابية مستقرة أو ربما انهارت قاعدته الانتخابية وتلاشت في الهواء.
الخلاصة الثالثة تتجسد في استمرار المزاج الانتخابي نفسه الذي هيمن على استحقاقات 8 شتنبر، فالأحزاب الثلاثة التي تشكل التحالف الحكومي فازت بـ 4/5 مقاعد متبارى حولها، بل الأكثر من ذلك أن حزب الأحرار، الذي يتعرض لحملة افتراضية شعواء، تصدر الانتخابات من خلال عدد الأصوات والمقاعد المحصل عليها. المزاج الانتخابي نفسه وضع حزب العدالة والتنمية في أدنى المراتب رغم التعبئة التي قام بها رموزه خلال الحملة الانتخابية.
الخلاصة الرابعة مفادها أن المجال القروي يبقى المحدد الأساسي لنتائج الاستحقاقات الانتخابية، وهذا ليس مؤشرا جديدا على المشهد الانتخابي، فلطالما كانت لصوت الكتلة الناخبة في العالم القروي الكلمة الحسم في تحديد مصير نتائج الانتخابات بكل أصنافها وتقرير من سيقود الحكومة والبرلمان.
الخلاصة الخامسة تثبت أن المزاج الافتراضي لا علاقة له بالمزاج الانتخابي الذي يبقى مزاجا معقدا وبراغماتيا وتتحكم فيه عوامل واقعية، لذلك ففي عز شعارات أخنوش «ارحل» ومطالب افتراضية بأن تعاقب الانتخابات الحزب الذي يقود الحكومة، كانت النتيجة معاكسة تماما، حيث أثبتت أنه لا أثر لدينامية “الفيسبوك” على السلوك الانتخابي أو على الأقل على تفضيلاته السياسية.
أما الخلاصة السادسة فهي ارتفاع مؤشر العزوف فوق ما هو معتاد في الانتخابات الجزئية، صحيح أنه لا يمكن قياس نسب المشاركة بين الاستحقاقات العادية والجزئية نظرا لعدد من العوامل، منها غياب الدينامية السياسية والأثر المحدود للاستحقاقات الجزئية، ومنها ما يرتبط بزمن التصويت الذي يصادف فترة عطلة وانشغالات أخرى، إلا أن النسبة المسجلة في الاستحقاقين تتطلب لحظة تأمل وقراءة ممن يهمهم الأمر كي لا تمتد العدوى إلى الاستحقاقات العامة المقبلة.
من المؤكد أن هناك رسائل أخرى أشهرتها الانتخابات في وجه الطبقة السياسية، لكن الأهم رسالة أن من خرج من قلوب المغاربة عبر بوابة الاستحقاقات العامة لا يمكن أن يعود مثل السارق من نافذة استحقاقات جزئية.