رسائل المونديال
وجهت قطر، مساء أول أمس الأحد، رسائل عدة إلى من يهمهم سلامة كوكبنا، خلال افتتاح أول بطولة كأس العالم لكرة القدم في الشرق الأوسط، أمام قادة سياسيين ومشجعي كرة القدم الذين تدفقوا على الدوحة.
تبين أن كرة القدم قادرة على احتواء خلافات السياسيين، وأن كأس العالم تتسع لكل مشاكل الدنيا، ومن أجلها يتوقف الرصاص وتفتح الممرات الإنسانية ويصافح الزعماء بعضهم بعضا بغض النظر عن خلافاتهم. في ردهات المونديال ابتلع السيسي وأردوغان صراعات الأمس، وتبادلا الحديث حول أكبر المرشحين، بعد أن جمعهما الأسى لغياب منتخبي بلاديهما عن كأس العالم.
حضر زعماء الجزائر ومصر وتركيا وفلسطين والأردن، وإن غابت منتخبات بلدانهم عن هذا الحدث، سجلوا حضورهم وهم يضربون كفا بكف، ويلعنون في قرارات نفوسهم لاعبين أخلفوا الموعد وتحولوا إلى متفرجين.
في حفل الافتتاح الرسمي، الذي شد إليه أنظار العالم، وقف الأمين العام للأمم المتحدة مذهولا أمام فيض المشاعر الإنسانية التي ملأت الدنيا، آمن الرجل الذي يقتات من نزاعات الآخرين ويتنفس دخان بؤر التوتر، بأن الكرة المستديرة قادرة على تذويب الأحقاد وإطفاء شعلة الاحتقان، وجعل العساكر يتخلصون من بنادقهم، ويتحولون إلى مساندين يلهثون وراء لاعبين يركضون وراء كرة محشوة بالهواء.
في حفل الافتتاح رحب ممثل أمريكي يدعى مورغان فريمان بضيوف قطر نيابة عن القطريين، قال إن الدوحة عاصمة العالم، رد عليه الفتى القطري بآية قرآنية: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم». وفيها دعوة للتقارب بين الشعوب، والتغلب على الاختلافات مهما كانت طبيعتها ودواعيها.
حضرت التقوى في ملاعب الكرة، التي لا يدخلها إلا هداف مكين قادر على هز الشباك، قيل للضيوف: «لا تقربوا الملاعب وأنتم سكارى»، لأن الكرة طقس من عقيدة سكنت البشر وحولتهم إلى سكارى وما هم بسكارى.
استغرق حفل الافتتاح 30 دقيقة، نشطه فنانون عالميون أصرت فقراتهم على المزج بين التقاليد العربية والثقافة العالمية، كانت مليئة بالدروس والعبر، حين أصر القطريون على استقطاب أنظار العالم لدولة تعد من أصغر دول العالم مساحة، وأكبرها إشعاعا وتأثيرا.
قبل أن يعلن المنظمون عن انطلاقة بطولة كأس العالم لكرة القدم، شهدت مساجد الدوحة لحظات مؤثرة، حين اعتنق عدد من المسيحيين، ضيوف المونديال، الديانة الإسلامية وضبطوا ساعاتهم مع الأذان، وجلسوا في الصفوف الأولى لمساجد المدينة، بعد أن كانوا يمنون النفس بالجلوس في مدرجات الملاعب.
قال أحد المشجعين البريطانيين: «حجزت تذكرة في الإسلام، وقد أفوز ببطولة الحياة الآخرة، إذا وفقني الله للظفر بالحسنات».
في سوق واقف في عمق المدينة، قدم المشجعون دروسا في التربية الوطنية، حملوا شعارات بلدانهم، استظهروا بكورال جماعي أناشيدهم الوطنية، ارتدوا لباس البطولات وعبروا عن روح الانتماء لوطن يسكن وجدانهم.
في مونديال قطر لقن رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم للدول الأوروبية درسا في التاريخ والجغرافيا، حين أدانت تعامل دولة قطر مع مستخدمي المنشآت الرياضية، قال إينفانتينو، زعيم «الفيفا»، موجها كلامه إلى القوى الكروية الأوروبية بنبرة غاضبة:
«أنتم تدينون معاملة قطر مع عمال ومستخدمي الملاعب، من حقكم أن تنددوا وأن تطالبوا بمعاملة فيها جرعات إنسانية أكثر، لكن لا تنسوا أن دولكم استعمرت دولا عربية وإفريقية وأمريكية لسنوات، واستغلت ساكنتها وخيراتها وحولتها إلى مطرح لنفاياتها، رجاء أعيدوا قراءة التاريخ جيدا، واعلموا أن المدان الأول في القضية هم زعماؤكم السابقون».
ابتلع «حقوقيو» الكرة ألسنتهم، وسارعوا إلى حجز تذاكرهم في مدرجات كأس العالم، بعد أن وقفوا في الصفوف الأولى لحلف المقاطعين، بينما طالب السياسيون بتنظيم المونديال كل سنة، بديلا عن قمم كتبت توصياتها بماء.