شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرمجتمع

رحيل ‎عائشة الشنا… نصيرة الأمهات العازبات والأطفال المتخلى عنهم وقضايا المرأة  

حسن البصري:
‎في آخر ظهور لها بأحد فنادق الدار البيضاء أثناء العرض ما قبل الأول لأحد الأفلام ذات الطابع الاجتماعي، قالت عائشة الشنا: “يمكن للمنتج أن يمارس العمل الخيري حين يقدم أعمالا ذات طابع إنساني”. قبل أن تستدرك بلكنة ساخرة “شوية الزكاة”.
‎لا تفوت عائشة الفرصة دون أن تتحدث عن قدرة اليتيم على دعم الأيتام، فقد رأت النور في مدينة مراكش سنة 1941، لكن القدر شاء أن تعيش هذه الفتاة اليتم وعمرها لا يتجاوز الثلاث سنوات، بعد أن فقدت والدها وتحديدا سنة 1945، كان الراحل رجلا محافظا حريصا على تعليم بناته أصول الدين بدعم من جدهن العلامة الذي كان يطوف المغرب لنشر الدين ويكافح ضد التنصير، قبل أن يتوفاه الله في طنجة ويدفن في مقبرة بوعراقية.
‎ قبل أن تتخلص والدتها ثوب الحداد، فقدت الأسرة شقيقة عائشة لتزداد محنة والدتها رحمة التي أصبحت أرملة وعمرها لا يتجاوز العقدين من الزمن. تقدم أحد أعيان مراكش لخطبة والمرأة الثكلى وأصبحت الفتاة تعيش في كنف زوج والدتها الذي منحها الحنان الأبوي دون أن يمنحها تأشيرة التعلم، رغم ذلك أصرت والدتها على إلحاقها بمدرسة عمومية في مراكش، فقط لتتعلم مبادئ القراءة والكتابة.
‎في سنة 1953 خططت والدتها لتهريب ابنتها عائشة التي يبلغ عمرها 12 سنة صوب الدار البيضاء، وضعتها في حافلة نقل وأوصت السائق خيرا بها، لتصل إلى طريق مديونة حيث تقطن خالتها التي سجلتها في مدرسة لتعليم الفتيات الضرب على الآلة الكاتبة، قبل أن تغير المسار وتحصل على شهادة التمريض.
‎شرعت عائشة في رحلة البحث عن شغل، وانضمت إلى جمعية تعنى بقضايا المصابين بداء الجذام، وقبلت العمل مع المصابين بمرض معد لإعالة والدتها براتب شهري لا يتجاوز 300 درهم، وهو العمل الذي قربها من المساعدات الاجتماعيات الفرنسيات ومن العمل الخيري، فانتابتها فكرة إنشاء جمعية التضامن النسوي.
‎ليس الشنا هو الاسم العائلي لعائشة بل إنها نالت الاسم العائلي لزوج والدتها الذي تبناها في صغرها مباشرة بعد أن ترملت، وهو لحمامدية، إلا أن الشنا كان اسما أقرب إلى الترويج الاجتماعي لأنه قابل للتداول، وهو اسم زوجها محمد الشنا.
‎ظل الزوج بعيدا عن الأضواء لكنه حرص على مساعدة زوجته في تدبير ملف الأمهات العازبات، ومساندتها حين فتح عدد من الإسلاميين النار على نصيرة الأطفال اللقطاء، بل إن الجبهة تجاوزت بعض المتشددين من الأئمة إذ انضم إلى صفوف معارضي مبادرة الشنا عدد من الأطر العليا الذي نظموا حملات تندد بالجمعية التي خلقت لرعاية الأمهات العازبات، بدعوى أن رئيستها تشجع على الفساد وعلى إقامة علاقات خارج مؤسسة الزواج. بل إن عائشة تلقت تهديدات مباشرة وعبر رسائل تدعوها إلى صرف النظر عن هذه الفئة.
‎قالت عائشة في إحدى خرجاتها الإعلامية، إن زوجها رافقها مرارا نحو مناطق بعيدة بحثا عن أم عازبة أو في زيارة لأسرة طردت ابنتها بمجرد أن علمت بزواجها خارج إطار العائلة، “ذات يوم اشتكى لي زوجي من متاعب المهنة التي اخترتها ووهبت حياتي لها، كان منزعجا من تحركاتي وصراعي اليومي لإقناع الآباء بالاعتراف بأبناء من صلبهم، لكننا تهنا وسط طرق غير معبدة في منطقة بضواحي الفقيه بن صالح”.
‎كانت عائشة تهتم بأحوال الأمهات العازبات أكثر من اهتمامها بأحوال بيتها، وغالبا ما تضطر لمغادرة البيت استجابة لنداء استغاثة قادم من أعماق فتاة بنى لها رجل قصرا من الرمال لتكتشف أنه مجرد عابر سرير.
‎عندما هدد متشددون الفاعلة الجمعوية عائشة الشنا، بالتصفية الجسدية، قررت التوقف عن دعم ومساندة الأمهات العازبات بالمغرب، قبل أن تطرق بابها فاعلات حقوقيات رفضن رضوخها لضغط المتشددين الذين توعدوها ونهتوها بالكفر وتشجيع الرذيلة. وفي العام ذاته، وتحديدا سنة 2000، جاء الرد من العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي منحها وساما ومساعدة مالية مليون درهم، ودعا السلطات إلى تسهيل مساطر العمل الاجتماعي حين يتعلق الأمر، بمشاريع مدرة للدخل حين يتعلق الأمر بمشاريع لفائدة الفئات الهشة، من جهتها، قالت الشنا إن هذا التوشيح هو اعتراف دولي آخر بـ”العمل اليومي” لجمعية “التضامن النسوي” وبالقيم الإنسانية التي ناضلت من أجلها لأزيد من 50 عاما.
‎كانت زوليخة نصري تؤمن قيد حياتها بأفكار الشنا، ووعدت بمساعدتها على بناء حمام شعبي تخصص مداخيله لفائدة الجمعية، لذا فحين توفيت المسؤولة عن مؤسسة محمد الخامس للتضامن، قالت الشنا: “الله يعوض الملك بمستشارة من قامة زوليخة نصري”، وهو تأبين يكشف عمق العلاقة بين نصري والشنا، خاصة وأن ملك البلاد كان يوصي زوليخة خيرا بالشنا.
‎تم توشيح الفاعلة الجمعوية المغربية عائشة الشنا” بالرباط، بوسام الجمهورية الفرنسية، جوقة الشرف من رتبة فارس، اعترافا بالخدمات التي قدمتها لفائدة الأمهات العازبات، حيث قال سفير فرنسا بالمغرب، شارل فرييس، في كلمة بالمناسبة، مخاطبا عائشة الشنا، إن هذا التوشيح، الذي ينضاف إلى سلسلة التكريمات التي حصلت عليها في المغرب عبر العالم، يعتبر “اعترافا يتيح لك أن تصبحي المتحدثة باسم ما تسمونه من لا صوت لهم”.
‎وكانت الشنا قد حصلت في نونبر 2009 بمنيابوليس (الولايات المتحدة الأمريكية) على جائزة أوبيس، التي تكافئ الأعمال الإنسانية الأكثر تميزا في العالم والتي تبلغ قيمتها مليون دولار  تقديرا للعمل الذي تقوم به. وفي سنة 1995 بباريس، حازت على جائزة حقوق الإنسان للجمهورية الفرنسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى