رحيل العثماني
بعد تصويت فريق العدالة والتنمية أول أمس، في جلسة عامة، ضد قانون تقنين الكيف للاستعمالات الطبية، بات من الواضح أنّه لم يعد بالإمكان اليوم التحدث عن الأغلبية الحكومية بمفهومها السياسي المتعارف عليه، وهي أغلبية لها قيمتها الدستورية، حيث تتشكل مباشرة بعد تعيين الملك للمتصدر للانتخابات قصد الحصول على التنصيب البرلماني.
لذلك كان أول إجراء ينبغي أن يقوم به رئيس الحكومة هو التوجه مباشرة للقصر الملكي لطلب الإعفاء من الملك، وفق مقتضيات الفصل 47 من الدستور، لأنه أصبح فاقدا للأغلبية ولم يعد يمثل الحزب المتصدر وهذا الأخير لم يعد يعتبر نفسه قائدا للأغلبية، لكن لا شيء من ذلك وقع، واستمر السيد العثماني في ممارسة مهامه كأن شيئا لم يقع.
لم نكن في حاجة إلى هاته السريالية، فلو كان العثماني وإخوانه يعتبرون أن قانون الكيف خطر على العباد والبلاد فما كان على العثماني سوى ممارسة اختصاصاته الدستورية ورفض إدراج القانون ضمن جدول أعمال المجلس الحكومي مهما كانت الضغوط والإكراهات أو على الأقل عدم إحالة المشروع على البرلمان، وهو حق حصري يملكه دون غيره من الوزراء، لكن أن يصر على برمجة المشروع بعد التداول في شأنه لثلاثة مجالس حكومية، ويوقع رسالة الإحالة عن طواعية وطيب خاطر طالبا اعتماده التشريعي ثم يرفض القانون من طرف نواب حزبه، فهنا لا بد لرئيس الحكومة أن يتحمل مسؤوليته ويتحلى مرة واحدة في ولايته بنوع من الجرأة والمروءة وأن يختار بين ثلاثة قرارات، فإما أن يطلب الإعفاء من رئاسة الحكومة أو الاستقالة من الأمانة العامة لحزب لم يعد يتحكم في تصرفاته وأصبح واضحا أن أمينه العام الحقيقي هو ساكن فيلا حي الليمون، أو هما معا وهذا الخيار الأخير أقرب إلى المنطق والواقع والدستور، أما سياسة «عين ميكة» فلن تزيد الوضع سوى سوريالية.
لا يمكن أن نجد تبريرا لما وقع خلال جلسة التصويت. صحيح أن الاختلاف في وجهات النظر حول قضايا البلاد داخل الحزب الحاكم بين تيار الاستوزار وفريقه البرلماني أمر وارد، لكن ذلك لا يعني تنكرهما للعلاقة الدستورية التي تربط رئاسة الحكومة بأغلبيته، وحينما تتحول الأغلبية أو الحزب الذي يقودها إلى أكبر معارض للحكومة، فهذا يعني عمليا سقوط التنصيب البرلماني وتحول الحكومة إلى جهاز لتصريف الأعمال بعد فقدان أغلبيتها التي تضفي عليها الشرعية السياسية.
في الحقيقة نحن أمام رئيس حكومة وحزب أغلبي لا يفكران سوى بمصالحهما، ولا تهمهما مصالح الوطن، وأي متمحص لقرار التصويت بمعارضة قانون الكيف الذي لجأ إليه نواب الحزب الحاكم يدرك جيدا أن هاته المعارضة غير نابعة من دوافع قانونية أو إيديولوجية أو مرتبطة بمصلحة عليا للوطن، بل هدفها حماية البيت الداخلي للحزب من التشتت والانقسام بعدما هدد عبد الإله بنكيران علنيا بالاستقالة من الحزب إذا صوت فريقه لفائدة القانون. إذن نحن أمام حزب يضع مصلحته الخاصة فوق مصلحة أغلبيته، ويعلي من مصلحته على مصلحة الوطن، وأدهى من كل ذلك أن يرهن مؤسسات دستورية بمزاج رجل لم يستطع بعد أن يستوعب أن مدة صلاحيته قد انتهت.