شوف تشوف

الرأي

رحلة قروية.. رحلة صعبة

بيير لوي ريمون

منذ سنوات، باتت الأقاليم والمحافظات ومداراتها القروية، الحلقة الناقصة في مسلسل الحملات الانتخابية الفرنسية وبالتالي للسياسة الداخلية بفرنسا. وأكثر من كشف هذه الثغرة على نمط الطنجرة التي تكتوي بنارها قبيل أن تنفجر، السترات الصفراء التي كونت أضخم مكبر صوتي آت من «العمق الفرنسي» في تاريخ الجمهورية الخامسة. وقد فهم ذلك الرئيس ماكرون فهما جيدا فرد على إبداع بإبداع كما ترد الصاع بالصاع، حينما انتقل من محافظة إلى أخرى على مر شهور ليلتقي بالسكان المحليين فيتناول معهم مشاكلهم.

مكتب بريد أغلق ومدرسة على وشك الإغلاق، محل تجاري بقي الوحيد على مدار 25 كيلومترا يهدد مولُ عاصمة المحافظة بقاءه، طبيب بلغ سن المعاش لا يجد خلفا، لكن أيضا ملعب لكرة قدم وملعب لكرة المضرب رمما لاستقبال الوافدين من المدينة هربا من الضوضاء. ومن الآن فصاعدا اتقاء لإغلاق جديد، لكن أيضا رخص للبناء تمنح تباعا لإقامة تجمعات سكنية، وأيضا ضريبة مفروضة على الانبعاثات الكربونية تزيد من سعر البنزين فتربك التنقلات بين الريف والمدينة، ثم كساد مبيعات المزارعين، بعد أن قضت الأمطار الغزيرة على محاصيلهم.

إنها مشاكل الريف والقرى، هموم الدنيا والناس في أنحاء متفرقة من خريطة البلد، أصوات من لا منبر لها تطالب بمنابرها، ناخبون لم يظفروا بطائل وراء التصويت لأي حزب…

إنها رحلة قروية، رحلة صعبة، لأن سياسة القرى ليست مادة تدرس في معاهد العلوم السياسية، ولا في المدرسة الوطنية للإدارة. إنها الهجرة، إنها السفر نحو الموطن الآخر ليبدأ ذلك الصراع بين ثقافة المدينة وثقافة القرية، بين النظرية والميدان، بين التصميم الهندسي والواقع التجريبي.

على كل مترشح للرئاسيات الفرنسية أن يفهم القرية، خاصة إن كان من أبناء ثقافة المدينة، وهو ما حدث في الجمهورية الفرنسية، باستثناء الجنرال دوغول وجورج بومبيدو وجاك شيراك، الذين جمعوا بين الثقافتين أصلا.

استشعر إيمانويل ماكرون أن عليه الاتجاه إلى المحافظات، وما تعيين رئيس وزراء جديد قادم منها بعد الإغلاق الأول، سوى إشارة إلى هذا الاهتمام المصيري سياسيا.

وحديثا، علمت صحيفة «لوفيغارو» كيف تكونت خلية تهتم بجمع الأصوات من المنتخبين المحليين وتبرعات لتنظيم حملة المترشح إيمانويل ماكرون المقبلة. علمت «لوفيغارو» أيضا أن أكثرية المستهدفين من هذه الخلية ينتمون إلى اليمين التقليدي، ونحن علمنا تباعا كيف أصبحت خطة استقطاب اليمين التقليدي بهدف امتصاصه جارية على قدم وساق، بعد أن حصل الأمر المماثل بشأن اليسار الاشتراكي في الحملة السابقة. الهدف بين، إبعاد شبح اليمين المتطرف من الانتخابات، خاصة بعد ظهور إيريك زيمور على الحلبة، وليس مارين لوبين فقط.

ليس الرهان ضمان فوز رئيس الجمهورية في الانتخابات المقبلة، سيفوز حتما، لأن المعادلة لا تترك مجالا لظهور التجديد الحقيقي في السياسة الفرنسية، كأن ننتقل إلى الجمهورية السادسة التي يناصرها منظرو الإشراك الفعلي للقرار الشعبي في المداولات، عبر توسيع صلاحيات مجالس المحافظات. الرهان أقل طموحا: ينحصر في التوجه إلى قاعدة انتخابية مستعدة لارتداء السترات من جديد وإطلاق صافرة الإنذار. وهنا، ما أصعب الرحلة القروية!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى