شوف تشوف

ثقافة وفن

رحلة أندري جيد إلى شمال إفريقيا

عالم فاتن.. لا شيء يتحرك

ترجمة- محمود عبد الغني

  موبيسيس أبريل 1899

القنطرة

…أخيرا انفرجت الصخرة التي كانت تمتد إلى جانبنا منذ الصباح. ها هو الباب. اقتحمناه

إنه الليل. نمشي في الظل. ظهر اكتمال النهار الذي انتهى. جمال البلد المرغوب. من أجل أي افتنان وسكون ستصدر عنك الآه! امتدادك تحت الضوء الذهبي الدافئ.

توقفنا. انتظرنا. نظرنا.

ظهر عالم مختلف، غريب، ثابت، هادئ وبلا لون. أسعيد هو؟ لا. أحزين؟ لا. إنه هادئ.

اقتربنا بحذر كما لو وسط ماء دافئ ومضطرب تحت فيء النخيل. وخطوة بعد خطوة بدأنا نقترب…صوت ناي. حركة بيضاء. ماء يهمس بلطف. ضحك أطفال قرب الماء. ثم لا شيء. لا قلق ولا فكرة. ليس حتى هدوءا: هنا لا شيء يتحرك. إنه عالم فاتن. في ماذا كنت أرغب إلى حدود هذا اليوم؟ ماذا كان يقلقني؟

 

***

 

جاء الليل. الماشية آوت. ما كنا نظنه هدوءاً لم يكن سوى إسبات وفتور. وفي لحظة أرادت الواحة، وهي مندهشة ومرتجفة، أن تعيش.

هبوب خفيف جدا لامس النخيل. دخان أزرق يتصاعد من جميع البيوت الطينية فيملأ بالضباب القرية التي، عندما تدخل الماشية، تخلد إلى النوم وتغوص في ليل هادئ شبيه بالموت.

***

 

كم تمتد الحياة المتواصلة. الشيخ يموت بلا ضجيج والطفل يكبر بلا رجة. القرية تبقى كما هي، حيث لا وجود لكائن متشوق إلى الأفضل ويأتي بشيء جديد بعد بعض الكد.

قرية بأزقة ضيقة. بلا ترف. هنا يدفع الفقر إلى معرفة نفسه. الكل يأخذ قسطه من الراحة

ويبتسم بسعادة بسيطة. العمل البسيط في الحقول، هذا هو العصر الذهبي! ثم على خطى الأبواب، يستولي الليل بأغانيه وحكاياته على متعة المساء البطيء.

***

 

هنا، بين الدعامات التي تفتقد إلى الإبداع في القاعة القليلة الإضاءة، ترقص نساء بدينات لسن جميلات إلى حد الغرابة. نساء مفرطات في الزينة، يتحركن ببطء. وقورة اللذة التي يبعن، قوية وسرية مثل الموت.

قرب المقهى، فوق ساحة مشتركة مليئة بضوء القمر أو بضوء الليل، تجلس كل واحدة أمام بابها الموارب. أسرتهن منخفضة، ينزلن إليها كما لو أنهن ينزلن إلى القبر. بعض العرب الحالمين ينظرون إلى الراقصة وهي تتلوى على إيقاع موسيقى لا تتغير مثل ضجيج موجة متدفقة. يقدم صاحب المقهى القهوة في فنجان نظن أننا نشرب منه النسيان.

***

 

من بين كل المقاهي ذات الطابع الموريسكي، اخترت الأكثر انزواء، والأكثر عتمة. ما الذي جذبني فيها؟ لا شيء. الظل، الشكل اللين الممتد. الغناء وألا تكون مرئيا من الخارج، الشيء الذي يولد إحساسا بأنك مهاجر سري.

أدخل بدون إحداث ضجة. أجلس بسرعة. ولكي لا أخل بنظام الأشياء أتظاهر بأنني أقرأ وأبقى أنتظر

لكن لا شيء. عربي عجوز ينام في الزاوية. وآخر يغني بصوت خفيض جدا. تحت أحد المقاعد كلب يقضم عظمة. والطفل الذي يعمل بالمقهى، يقف قرب الموقد ويحرك الرماد بحثا عن بعض الجمر لتدفئة قهوتي المرة. الزمن الذي ينساب ليس له ساعات. لكن بما أن كل واحد يعيش في عطالة تامة، فإن الملل هنا يصبح مستحيلا.

***

 

ماذا كنت أريد إلى حدود هذا اليوم؟ لماذا أغتم؟ أوه! لكني الآن أعرف، خارج الزمن، الحديقة التي يستريح فيها الزمن. بلد مغلق، هادئ، شبيه بمنطقة أركادي. … ! لقد عثرت على مكان الراحة.

هنا السلوك اللامبالي يقطف كل لحظة بلا ملاحقة. اللحظة تكرر نفسها دون كلل. الساعة تعيد الساعة، واليوم يكرر اليوم.

ثغاء القطيع في الليل. غناء القصابات المتموج تحت النخيل. هديل طائر الورشان اللامتناهي. أيتها الطبيعة التي بلا هدف، بلا حداد، بلا تغير، عندما تبتسمين هكذا في وجه أكثر الشعراء عذوبة، فإنك، في عيني الورعة، تبتسمين لي

رأيت في الليلة الماء المحبوس ينتشر، يرطب الحديقة ليروي عطش النباتات. طفل أسود البشرة، حافي القدمين داخل المسقى، يوجه حسب رغبته الري الموجه بطريقة جيدة. يفتح أو يغلق في الطين سدودا صغيرة. كل سد يصب الماء عند كل شجرة معينة، على الجذع تحديدا. رأيت هذا الماء يصعد من الحفر المشققة مثقلا بالتراب، دافئا ويعطيه شعاع الشمس لونا أصفر. وفي الأخير يأتي الماء الفائض بغزارة من كل الجهات، ليغمر سيقان الشعير.

 

++++++++++++++++++

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى