شوف تشوف

الرأيالرئيسية

رجل الدين ومجهر العلم

 

بقلم: خالص جلبي

 

الشعب المغربي هو أكرم شعب على وجه الأرض، والمغرب قطعة من الجنة، في كندا نحن في صقيع متجمد تبلغ درجة الحرارة في بعض مناطقها 60 تحت الصفر، والمغاربة شعب مهذب لطيف لطول سواحله الممتدة على بحرين. فقط لو أمكن التخلص من الفساد، لكان مثل سنغافورة التي قال عنها «لي كوان يو» إنها قفزت من العالم الثالث إلى الأول. ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ ومن خصال المغاربة الترحيب بكل فكر، خاصة إذا حمل مسحة دينية كما فعلوا من قبل مع الأدارسة، وهم مهاجرون من الشرق، أو حتى معي في نشر أفكاري وأنا المشرقي فقد نشرت حتى الآن أزيد من 2500 مقالة في الصحافة المغربية، ولم تحذف مقالة أو كلمة من مقالة، باستثناء مقالتي عن مونديال قطر الذي رأيته تبذيرا وإسرافا لمبلغ 220 مليار دولار على لعب الكرة. وممن خدع بهم المغاربة بعض ممن لمع اسمه وهو يتحدث باسم الدين، مثل البوطي وسواه، والمثل الطبي يقرب إلينا فهم ظاهرة البوطي، ويعني أن هناك دوما في انفجار أي مرض اجتماعي مجموعة من العناصر تعمل خلطة انفجار كما في ظاهرة البوطي، أن يجتمع فيه ظلمات العصر الاستبدادي + روح البورجوازية الشامية + من أقلية كردية + من وسط تعليمي تقليدي + لم يغادر إلى أوروبا أو الخارج عموما + إغراءات السلطة + الخوف من المخابرات ( في يوم تم اعتقال أحد أبنائه) + مشيخة كفتارو النفوذ وإغراءاته (إمكانية الاتصال بضباط كبار والشفاعة لبعض المعتقلين) + خصومته مع التيارات الإسلامية الثورية وشبه الثورية، مثل الإخوان وحزب التحرير + النفوذ (الرئيس يضحك عليه وهو يضحك على الرئيس، وبين أن تستِغل وأن تستَغل شعرة) + تبني موقف يصعب التراجع عنه، كما كان من حولي يروون لي عن صلابة الأكراد وصعوبة تراجعهم عن موقف اتخذوه في قصة الحلاق والمقص، وهي قصة مكررة في ثقافات شتى، ولكن تبقى صعوبة التراجع عن موقف في وجه جمهور من الأتباع المخدرين. كما لا يستبعد عنصر «الخرف»، فنحن الأطباء نعرف هذه الحقيقة فيمن يتجاوز الثمانين (هو من مواليد 1929، أي قد دخل عامه الـ84 (سنة وفاته 2013) كما حصل مع تصلب الشرايين عند مبارك الثمانيني، فأعاد انتخاب نفسه فهوى)، فيبدأ عنده وتزداد احتمالات (أمراض الشيخوخة) من فقدان الذاكرة والخرف (Dementia) والزهايمر. إنه عنصر إضافي أيضا يدخل في ميزان الاحتمالات. إنها خلطة تفجيرية قد تصلح لتفسير موقف البوطي وقد لا تصلح، وقد تكون هناك عناصر غيبية لا نحيط بها علما (مثلا تجنيده في الاستخبارات، أو مسك أضابير وملفات خطيرة ضده)، حتى لا نظلم الرجل ولا نفتري عليه، وكفى بالمرء كذبا أن يقول كل ما يعلم. لكن الأكيد أنه وقف في الميدان مع الشيطان. ربما كان الأفضل للبوطي لو جلس في بيته واعتبر ما يحدث فتنة، وسكت كما سكت الشحرور عن الأنغام، (صاحب كتاب «القرآن والكتاب»)، فأصيب أي الشحرور بالسكتة الدماغية دفعة واحدة. هنا نفهم معنى نزول سورة كاملة تحمل اسم المؤمن «غافر»، عن رجل مؤمن يكتم إيمانه حين رأى أن المؤامرة بين الثلاثي (فرعون وهامان وقارون) وصلت إلى حد التفكير بقتل موسى (وقال فرعون ذروني أقتل موسى، وليدعو ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد). هنا نرى المنظر مقلوبا جدا بين رجل يعلن إيمانه بعد كتمان، والشحرور الذي يخرس وكان يتبجح في مقاومة الطغيان. فالموقف يظهر معدن الإنسان، والرجل الذي كان يكتم إيمانه، أظهر إيمانه في هذا الموقف الصعب، ووقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة، أدخلوا آل فرعون أشد العذاب. في الوقت الذي كان يكتم إيمانه هذا الرجل، والشحرور الذي كان يكرر مقولاته في تفسير القرآن ضد الطغيان، ترك مقعده وولى الأدبار في لظى المحرقة الشامية والناس يقتلون بالملايين ويحرقون بمئات الآلاف، ويفر نصف الساكنة بـ 15مليونا إلى 15 بلدا حول العالم، والبوطي يتحدث عن شخصية الأسد العبقرية.

كان الأفضل للبوطي أن يغلق باب بيته ويتعبد استقبالا للكفن والقبر، وقد ركبته الشيخوخة فطقطقت مفاصله واهترأت الذاكرة وأصيب بالعشا بالعشي والإبكار (ثلاث علامات من أهم مظاهر الشيخوخة)، بدلا من أن يعتلي ظهر المنبر الأموي، فيقول إن جيش «البراميلي» هو جيش صحابة.

لعل فولتير كان من أشد المنتبهين إلى هذا الثنائي الإجرامي، فأطلق صرخته: «اشنقوا آخر إقطاعي بأمعاء آخر قسيس»، وهو ما انتهى إليه مصير البوطي بـ«قرطاسة» فجرت جمجمته، وبتخطيط من المخابرات الأسدية، وفسح المجال لداعشي مجنون هو آخر من يعلم من دفعه ومكّنه من الجريمة، كما انتهى إليه القيصر وراسبوتين. ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبا!

خلاصة القول تبقى متلازمة البوطي (Bouty Syndrom)  وأبو الهدى الصيادي وأمنحوتب من العصر الفرعوني، وكهنة أوروك وأور، وبطانة إمبراطور الصين، وكهنة بكين، ووزير لويس الرابع عشر «فوكييه»، مرضا يسم الأفراد من حاشية السلطة في كل عصر ومكان. فمن هو المؤمن؟ ومن هو الملحد؟ سؤال ما زال يلح علي بدون أن أعثر على إجابة. كيف يمكن رؤية هذا التناقض بين رياض الترك (الشيوعي)، الذي نام في زنزانة انفرادية سبعة عشر عاما، من أجل أفكاره في الحرية، ويعتبر حسب لوغاريتم رجال الدين، هرطيقا، وواعظ السلطان الذي أقسم أن ابن الطاغية الذي مات يطير في الجنة بجناحين؟ لقد كانت الكنيسة يوما تبيع تذاكر لدخول الجنة، وتعالج السعال الديكي بلبن الحمير، وتحرق الساحرات والكتب والقطط في الساحات العامة. وفي آشور كان الكهنة يتقنون الكتابة، ولكنها كانت حرفة للتضليل أكثر من بث الوعي. واليوم يجتمع ثلاثي من (الكهنوت) و(الجبت) و(الطاغوت) في تجهيل المواطن العربي بالكتابة والفضائيات. واجتماع ثلاثة لا يعني ثلاثة، بل أكثر من ثلاثة. وكل له سلاحه الخاص. فـ(الكهنوت) يغتال العقل بالوهم، و(الجبت) يغيب الوعي تحت غبار الكلمات، و(الطاغوت) يستعبد الناس بالقوة. وهكذا يؤكل المواطن بالطول والعرض، فلا يبق منه مواطنا، بل مسكينا ويتيما وأسيرا، في سجن كبير اسمه الوطن.  

نافذة:

 

لعل فولتير كان من أشد المنتبهين إلى هذا الثنائي الإجرامي فأطلق صرخته: «اشنقوا آخر إقطاعي بأمعاء آخر قسيس» وهو ما انتهى إليه مصير البوطي بـ«قرطاسة» فجرت جمجمته

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى