شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

رجالي اعتبروا عدم اختراق الرصاص لجلابتي معجزة زادتهم شجاعة

يونس جنوحي:

«جاءت «مْحلتان» من فاس. إحداهما كانت تحت إمرة ابن عمي، والأخرى كانت تحت إمرة عم مولاي عبد العزيز. ووقتها كنتُ في زاوية سيدي يوسف التليدي، ومعي كان فقط خمسة عشر رجلا وماكلين. كيف يستطيع هذا العدد القليل جدا من الرجال قتال جيش؟

جاء إليّ رجال القبائل طلبا للنصيحة، فقلت لهم:

-لا تُضيعوا ذخيرتكم وتبعثروها على الأرض وتغطوها بالرصاص.

وأطلعتهم على صخور الجبال العظيمة. 

هناك طرق قليلة فقط لتسلق قمة جبل أحماس.

عمل رجال القبائل طوال الليل في تكسير تلك الصخور. وفي الصباح ظهر أن عددا من رجال جيش المْخزن اختفوا تحت الصخور، وقُتلوا بعد أن سقطت فوق أجسادهم عندما كانت المْحلة تتقدم نحونا.

جلستُ فوق صخرة على جانب الوادي، ومعي عدد قليل من أتباعي لكي نتأمل المشهد.

جلاّبتي بيضاء اللون، وكان بإمكان جيش المخزن رؤيتها من أعلى التل. وعندما تعرفوا عليّ كانوا يصيحون:

-هذا هو الريسوني، لقد حاول إلقاء السحر على الجبل، لكنه لن يغادره هذه المرة حيا. وأطلقوا النار صوبي مرات عديدة.

صاح أتباعي:

-احم نفسك سيدي، احتم خلف هذه الصخور ستكون في أمان، وستكون قادرا على متابعة ما يحدث في المعركة.

لكني أجبتهم:

-اذهبوا واحموا أنفسكم في مكان آمن. لا يوجد أي خطر يهددني. وقفتُ على حافة الصخور، ولم تكن الرصاصات التي صوبت باتجاهي قادرة على اختراق ملابسي، وتساقطت فوق الصخور لتهتز على الأرض.

شعر جنود المْخزن بالخوف عندما رأوا هذا المشهد، لأنهم كانوا يدركون جيدا أنهم أمام معجزة. وانتشرت القصة في كل أرجاء البلاد لإرهاب أعدائي وتخويفهم».

بهذه الطريقة كان الريسوني يقوي عزيمة أتباعه، لكن على الرغم من أن خدعة الرصاص تكررت وتم تناقلها في عدد من المناسبات، فإن الشريف لم يكن دجالا أبدا، بل كان مقتنعا بأنه يتوفر على البركة وألا أحد يستطيع تجنب قدره الذي كُتب له. لقد غامر بحياته ومنصبه بنفس الهدوء والثقة اللذين يتمتع بهما المقامر عندما يتأكد أن الحظ حليفه.

الريسوني إنسان طموح جدا، وذكي بما يكفي لكي يدرك أدق التفاصيل، وهذه التفاصيل دائما ما تكون حاسمة في صنع النجاح أو الفشل.

لذلك كان دائما يحاول استغلال أي حيلة لتقوية وضعه، بنفس الطريقة التي يستغل بها لياقته وقوة جيشه وإقدامه، بالإضافة إلى المناخ والمحيط الفريد الذي يتوفر عليه في هذا البلد.

يواصل الريسوني حكايته:

«عندما انتشر خبر هزيمة مْحلة ابن عمي مولاي الصدّيق، شاع الخوف بين الجنود في الجهة الأخرى من الجبل.

وعبثا حاول السلطان استجماع قواه وسأل من معه:

-كيف يمكننا محاربة رجل حتى الجبال تساعده؟

أتباعي كانوا خائفين وكانوا يقولون إننا هزمنا هذا الجيش بخدعة، ولكن لن نهزم جيشا آخر مرة أخرى بنفس الطريقة.

فقلتُ لهم:

-اجعلوا إيمانكم بالله وحده. ألم يحمينا في الماضي؟ أخبركم مرة أخرى ألا مكروه سيصيبكم.

قبل أن يحين موعد أي معركة أخرى، جاء رُسل من فاس وقالوا إن النصارى (الفرنسيون) نزلوا في الدار البيضاء وأعطوا الأوامر بأن تعود المْحلة فورا. وهكذا أدرك رجالي أني كنت أخبرهم الحقيقة.

ما إن عادت قوات السلطان إلى فاس، حتى جاء الرجال مسرعين من الشاون حاملين معهم أخبارا بأن ابن عمي لجأ إليها بعد هزيمة الجيش.

توسل إليّ العشري، وهو شيخ قبيلة، لكي أحضر جيشي لإنقاذه، لأن قبيلة أحماس التي يقعون في نفوذ حدودها، أقسموا بالله أن يدكوا كل المنازل والأسوار ويسووا القرية كلها مع الأرض، وقالوا:

-ابن عمك يا سيدي يقضي اليوم كله فوق سطح بيته ويطلق النار ببندقيته، لكننا لا نتوفر على ما يكفي من البنادق لكي ندافع عن قريتنا.

وهكذا تركتُ ماكلين مع حراس أقوياء وغادرتُ زاوية التليدي، ولم آخذ معي أي «مْحلة»، بل سافرت بأقصى سرعة ومعي خدم قليلون فقط، وانضم إلي رجال القبيلة في الطريق، وعندما وصلت إلى الشاون، كان ورائي المئات. كل الناس خرجوا للقائي، وأطلقت النساء الزغاريد كما يفعلن في الأعراس أو عندما يولد لهن ولد. كنت أتقدم بصعوبة في الأزقة. كان الحشد كبيرا وكان الرجال يرتمون أمامي لكي يقبلوا أطراف ثوبي وأنا أمر قربهم».

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى