رباعة الحكارة 2.2
بينما مازالت حوالي 180 مليار سنتيم، من عائدات الضرائب، في ذمة عدد من المؤسسات الكبرى التي ترفض أداءها لجماعة طنجة، يسعى قياديو «البيجيدي» الذين يوجدون على رأس مجلسها، إلى البحث عما يسددون به تعويضات الموظفين. وتبعا لذلك، فقد صادق المجلس على إجراء تغييرات جذرية في القرار الجبائي، الذي لم يتم المساس به منذ سنة 2003، ما سيؤدي إلى زيادات كبيرة وغير مسبوقة في معظم الرسوم والجبايات المحلية، التي استهدفت في أغلبها المهنيين الصغار في المدينة، في حين غضّ المجلس الطرف عن محلات بيع المشروبات، التي تدر على أصحابها ملايين السنتيمات كل ليلة، إلى جانب «كازينو» فندق «موفمبيك» بالمدينة، الذي لم يفرض عليه المجلس أي رسوم إضافية.
وبذلك سيؤدى عن تسليم بطاقة الوكيل بسوق الجملة مبلغ مالي قدره ألف درهم، فيما سيؤدي طالب تصميم للمدينة مبلغ 200 درهم عن كل تصميم، كما سيؤدي أصحاب الشاحنات الصغيرة والكبيرة عند الدخول إلى سوق الجملة مبالغ تتراوح بين 700 و1200 درهم عند الحصول على بطاقة الولوج، كما تم فرض الرسوم ذاتها على الدراجات النارية والشاحنات الصغيرة التي يرغب أصحابها في الحصول على بطائق ولوج المحطة الطرقية، وحدد ثمن ذلك في 700 درهم، في الوقت الذي من شأن بعض القرارات أن تتسبب في تخويف المستثمرين، خصوصا في ما يتعلق بإحداث قاعات للأفراح، بعدما حدد المجلس ثمن تسليم رخصها في مبلغ 150 ألف درهم.
وحتى الأنشطة الثقافية لم تسلم من جشع هؤلاء القوم، فقد جرى فرض مبلغ 3000 درهم، على البعثات الدولية والأجنبية التي تعتزم تنظيم نشاط لها في المسرح الجماعي «الحداد»، ما سيجعل هذه البعثات تتجه إلى الفنادق لإقامة أنشطتها بتكلفة موازية للأغذية، وهو الأمر ذاته الذي عرفه بند أنشطة الفرق الوطنية بعد تحديد مبلغ 1000 درهم لإقامة النشاط داخل المسرح المشار إليه.
وفي الوقت الذي عرفت الرسوم المفروضة على الأنشطة الثقافية ارتفاعا ملحوظا، عرفت الرسوم المفروضة على الإقامة في المؤسسات السياحية والفنادق الفخمة مبالغ مالية هزيلة لا تتعدى في أقصاها 25 درهما، على الرغم من أن هذه الفنادق يصل فيها مقابل مبيت ليلة واحدة إلى أزيد من 800 درهم للشخص الواحد.
أما في مدينة مراكش، فقد توصل المئات من التجار الصغار برسائل تهديدية من العمدة محمد العربي بلقايد، عن العدالة والتنمية، لأداء ما بذمتهم من واجبات كراء المحلات التجارية المملوكة للمجلس، وإلا تابعهم قضائيا لإجبارهم على الأداء والإفراغ، ومنحهم لذلك أجلا أقصاه 15 يوما.
والملاحظ أن بلقايد لم يتعامل بالطريقة نفسها مع كبار المستثمرين في القطاع السياحي بمراكش، خصوصا أرباب الفنادق، ولم يجد من يهدد بالإفراغ في حال التأخر عن الأداء سوى صغار التجار، الذين يعانون من بوار تجارتهم بسبب تراجع القدرة الشرائية للمغاربة خلال الخمس سنوات الماضية، التي ترأس فيها بنكيران الحكومة، فيما لم يجرؤ على المؤسسات الفندقية الفخمة، و«الكازينوهات» و«البيران» التي تمتنع عن أداء ما بذمتها للمجلس الجماعي منذ سنوات.
ولم يستخلص مجلس مراكش حوالي 80 مليار سنتيم، أي ثلاثة أرباع ميزانيته السنوية، المقدرة بــ100 مليار سنتيم، علما أن متأخرات المؤسسات السياحية والفندقية، تقدر بأزيد من 50 مليار سنتيم، ضمنها مؤسسة فندقية واحدة مازالت في ذمتها أربعة ملايير سنتيم، رفضت رفضا قاطعا أداءها، ولم يجرؤ العمدة بلقايد على إرغامها على الأداء، علما أنه سبق أن دخل في مفاوضات مع صاحبها، خلال الولاية السابقة، التي كان يشغل فيها نائبا للعمدة السابقة فاطمة الزهراء المنصوري مكلفا بالمداخيل، من أجل إيجاد حل لتسوية ما بذمة هذه المؤسسة، من ديون تجاه المجلس الجماعي، لكن دون جدوى.
وأكثر من ذلك، تمكن مالك الفندق في ما بعد، من تغيير اسم الشركة وهدم وأعاد بناء مركبه السياحي، دون أن يحرك العمدة ساكنا.
أما مجلس مدينة الرباط، ووفق الخطة ذاتها، فقد رفع في ميزانيته عددا من المداخيل، ما يعني أنه سيعتمد سياسة خاصة في ما يتعلق بالتحصيل الجبائي، في ما يخص رسم المحجز، فقد رفعه من 759232 ألف درهم، المقبوضة إلى غاية أواخر شهر شتنبر الماضي، إلى مليون درهم هذه السنة. أما الضريبة التي يؤديها ملاكون صغار للجماعة لأجل أشغال متعلقة بالصحة العمومية أو الأمن العام، فقد بلغت خلال السنة الماضية 28032.37 درهما، فيما يتوقع أن تصل هذه السنة إلى مليون درهم. ما يعني أن العمدة بطل فضيحة «تعويضات ريضال»، سيقود الحرب ضد هذه الفئة، عكس الرسوم المفروضة على الإقامة في المؤسسات السياحية، التي شملها تغيير طفيف جدا، من 6344427.35 درهما السنة الماضية، إلى 9 ملايين درهم، التي يتوقع تحصيلها خلال السنة الحالية، والأمر نفسه بالنسبة إلى الضرائب المفروضة على استغلال الشواطئ، التي تدخل في إطار الضرائب المفروضة على الأملاك، التي تشكل كارثة في المداخيل بالرباط، والتي يتغاضى المجلس عن فرضها على اللوبيات التي تنشط خصوصا في فصل الصيف.
فقيمة الضرائب المقبوض عليها، خلال سنة 2016، بلغت 19 ألف درهم، ويتوقع أن يتم تحصيل ما قيمته 20 ألف درهم خلال نهاية السنة الجارية، عكس الرسوم المفروضة على شغل الأملاك الجماعية العامة مؤقتا، لأغراض ترتبط بالبناء، والتي بلغ مدخولها سنة 2016 حوالي 6 ملايين و500 ألف درهم، فيما يتوقع أن يحصل 10 ملايين في متم السنة الجارية.
والأمر كذلك بخصوص ضريبة التجارة، التي بلغت قيمة مداخيلها في متم شهر شتنبر الماضي، 379595.30 درهما، فيما رفعها هذه السنة إلى 7 ملايين درهم، في الوقت الذي لم تشمل الضريبة على محلات المشروبات تغييرات كبيرة، بعدما بلغت قيمتها خلال السنة الماضية 12379169.00 درهما.
أما في ما يتعلق بالرسوم المترتبة عن إتلاف الطرق، بسبب الأشغال، التي غالبا ما يتم استخلاصها من شركات الاتصالات والتدبير المفوض، فسجل المجلس، على عهد العمدة صديقي، فضيحة كبيرة، فبينما استخلصت الجماعة في عهد ولعلو سنة 2014 مبلغا وصل إلى 5191031.47 درهما، وفي سنة 2015 ما قيمته 2649118.00 درهما، استخلص العمدة الحالي 397978.25 درهما فقط، وهو فرق كبير جدا، يبرز استخلاصا ضعيفا لا يمثل حجم الخسارة التي تتسبب فيها شركات التدبير المفوض، وعلى رأسها «ريضال»، التي كان إطارا فيها وغادرها بتعويض وتقاعد مريح، وأصبح الآن رئيس مجلسها الإداري، مباشرة بعد وصوله إلى عُمودية العاصمة، علما أن المجلس سبق أن أجرى دراسة سنة 2008، كشفت أن قيمة الخسائر السنوية تبلغ 3 ملايير سنتيم.
أما بالنسبة إلى مداخيل كراء المحلات التجارية المخصصة لمزاولة الأنشطة المهنية، فقد رفعها عمدة الرباط بحوالي الضعف، من 1123270.25 درهما، إلى مليوني درهم، وهو ما ينطبق كذلك على الرسوم المفروضة على شغل الأملاك الجماعية العامة مؤقتا لأغراض تجارية أو صناعية أو مهنية، من 1419000.00 درهم، إلى مليونين و500 ألف درهم، وعلى منتوجات استغلال الأراضي الفلاحية، من 6908204.79 درهما، إلى مليوني درهم، وهي «حكرة» كبيرة يريد أن يمارسها عمدة الرباط، على الفلاحين الصغار والتجار الصغار، كما يتضح من خلال الرسوم المفروضة على مداخيل وكلاء البيع بالجملة للخضر والفواكه. فمن مبلغ 19180947.90 درهما، الذي جرى قبضه السنة الماضية، يتوقع مجلس الرباط أن يحصّل ما قيمته 33 مليون درهم في متم السنة الجارية، ما يعني أنه يتوقع رفع قيمة هذه الرسوم، وهو ما يتضح كذلك بخصوص استغلال ساحات وأماكن الوقوف.
وأمام هذه القرارات الخطيرة التي يتم اتخاذها خفية، حاول عمداء المدن الكبيرة، المنتمون إلى حزب العدالة والتنمية، التغطية عليها بما سموه خدمات المواساة المتعلقة بتغطية مصاريف الجنائز، على حساب ميزانية الجماعات التي يترأسونها، وكان آخرهم عمدة أكادير، بعدما خلقت قبله هبة غير قانونية فضيحة كان بطلها عبد المنعم المدني، القيادي في حزب العدالة والتنمية ورئيس مقاطعة يعقوب المنصور، متعلقة بصفقة كراء لوازم وعتاد إحياء احتفالات المناسبات والأعياد الوطنية، حوّل استعمالها إلى الجنائز.
هكذا إذن يجازي حزب العدالة والتنمية الذين صوتوا لمرشحيه لتسيير شؤون مدنهم، فهو يتغاضى عن محاسبة الكبار ويستقوي على التجار الصغار، وأقصى ما يقترحه على هؤلاء «المزاليط» هو توفير الأكفان وسيارات نقل أموات المسلمين مجانا، متناسيا أن المرجعية الدينية التي يستغلها لجلب الأصوات تقوم على أن الحي أولى من الميت، فشؤون الأحياء ومصالحهم في الحياة اليومية أولى من شؤون الأموات وأكفانهم وسيارات نقلهم إلى المقابر.