رباعة الحكارة 1
هناك اليوم موضة ابتدعها صيارفة الحزب الحاكم وأبواقه المكلفون في جرائدهم ومواقعهم بتصريف “قلاز بنكيران من تحت الجلابة”، تقوم على دعوة الحزب الفائز في الانتخابات إلى العودة إلى مقاعد المعارضة لمواجهة “السلطوية” وتنظيم وقيادة احتجاجات الشارع.
لقد كانت لحزب بنكيران فرصة تاريخية لكي يثبت أنه حزب لخدمة جميع المغاربة، وعوض ذلك أثبت أنه حزب في خدمة أعضائه ومليون ونصف مواطن من الذين يصوتون له.
فنقابته “الحلوطية” تحمي أعضاء الحزب وتتكلف بملفات ترقياتهم وتنقيلاتهم، وأذرعه النسائية والشبيبية في خدمة نساء وشبيبة الحزب ماديا ومعنويا، وحركته الدعوية تنتج الخطاب السياسي المغلف بالإيديولوجيا حسب طلبات الحزب لتبرير زلات أعضائه وعضواته.
نحن إذن أمام جماعة سياسية مغلقة تستعمل الدين لإحكام قبضتها على مفاصل الدولة والمجتمع.
ولذلك فليس مستغربا أن نسمع الصيرفي، مهرب الأموال نحو إسبانيا عن طريق شركة أخيه التي يوطنها في “كراج” بنواحي مدريد والمتخصصة في الوساطة في طبع اللوغوات على مايكروفونات المواقع الإلكترونية المغربية، يطالب بنكيران اليوم بالعودة إلى المعارضة من أجل رص الصفوف للمواجهة مع المؤسسة الملكية، التي ينعتها جبنا بـ”السلطوية”.
والمضحك في هذه الدعوة أنه يطالب بنكيران بالعودة إلى كرسي المعارضة لتأطير الاحتجاجات في الشارع، وهؤلاء الجهلة، أمثال الصيرفي، الذين يتبنون هذا الخطاب التحريضي يجهلون أن الشارع هو الخصم الكبير لبنكيران وحزبه، وكل الاحتجاجات التي توجد في الشارع سببها قرارات بنكيران غير الشعبية التي يفتخر بها، زيادة على أن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين، فقد “بردع” بنكيران وحزبه الشارع ذات عشرين فبراير ووصل على ظهره إلى الحكومة وتنكر له في ما بعد، فأي شارع هذا الذي سيؤطر بنكيران احتجاجاته، “شارع النصر” حيث يختفي وراء أشجاره “هادوك اللي على بالك” ؟
لقد كانت، ومازالت، لحزب بنكيران فرصة ذهبية لكي يظهر للمغاربة، وليس فقط للذين صوتوا لمرشحيه، أنه حزب يسعى، فعلا لا قولا، لتحسين المعيش اليومي للمواطنين، خصوصا أنه يسير أغلب المدن ولديه جهات يترأسها.
لقد كانت قوة زعيم حزب العدالة والتنمية التركي، رجب طيب أردوغان، هي نجاحه في تسيير بلدية إسطنبول وتحويل المدينة من مزبلة حقيقية إلى معلمة سياحية وقطب اقتصادي يضخ الحياة في كل مفاصل تركيا.
ومن البلدية انتقل أردوغان إلى الحكومة وطبق نفس برنامج العمل على مستوى الدولة فنجح في وضع تركيا في قلب المعادلة الاقتصادية الدولية ودفع ديونها لصندوق النقد الدولي وشجع خلق المقاولات وحارب الفساد الإداري والقضائي وحقق معدل نمو استثنائيا.
عندنا كل ما استطاع حزب العدالة والتنمية أن يحققه هو الفشل الذريع في تسيير مجالس الجماعات والعمادات التي يرأسها، فقد رسب عدد من رؤساء مجالس المدن الكبرى المنتمين إلى “البيجيدي” في الامتحان السنوي، المتعلق بالمصادقة على مشروع قوانين ميزانية سنة 2017.
وكانت البداية من مجلس مدينة الرباط، التي رفض فيها عبد الوافي لفتيت والي جهة الرباط سلا القنيطرة، عامل عمالة الرباط التأشير على ميزانيتها، والأمر نفسه بالنسبة إلى ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة، التي أسقطت ميزانية مدينة البوغاز.
وكان هناك تخوف كبير وسط منتخبي حزب العدالة والتنمية، من تكرار سيناريو السنة الماضية، لما قررت وزارة الداخلية عدم التأشير على ميزانية مجالس المدن الكبيرة، كالدار البيضاء والرباط وفاس، بالنظر إلى الأخطاء التي ارتكبها رؤساؤها، في الوقت الذي يمنح القانون التنظيمي الجديد المتعلق بالجماعات، صلاحيات جديدة للعمال، تعطيهم سلطة قوية تتجاوز رؤساء الجماعات، في حال ما إذا ارتكبوا أخطاء موجبة للرسوب.
يبلغ عدد الجماعات الترابية بالمغرب 1503، حزب الأصالة والمعاصرة يترأس 358 منها، وبعده حزب الاستقلال الذي يترأس 232 جماعة، ثم حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يوجد على رأس 230 جماعة، في حين يتوفر حزب العدالة والتنمية على رئاسة 177 جماعة، فيما يأتي حزب الحركة الشعبية بعده بترؤسه لـ156 جماعة، وحزب الاتحاد الاشتراكي الذي يترأس 146 جماعة، أما حزب التقدم والاشتراكية فيترأس 80 جماعة، في الوقت الذي يسير حزب الاتحاد الدستوري 62 جماعة، في حين تقتسم باقي الأحزاب السياسية رئاسة 60 جماعة أخرى.
فحزب العدالة والتنمية يترأس مجالس المدن الكبيرة، لكنه عوض الاشتغال لمصلحة المواطنين عامة يستغل ذلك من أجل كسب تعاطف فئة من المواطنين على حساب أخرى، بناء على القرارات التي يتم اتخاذها في بيت عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب، ويتم فرضها على عمداء المدن ورؤساء الجماعات، وكان آخرها الاتفاقية التي وقّعها محمد صديقي رئيس مجلس الرباط، بطل فضيحة “تعويضات ريضال”، مع مصطفى السيمو رئيس المحكمة الإدارية بالرباط، بشأن تسريع تنفيذ الأحكام القضائية، واتضح أن الطرفين لم يستندا إلى أي أساس أو مرجع قانوني، وفق ما ينص عليه القانون التنظيمي للجماعات، بالإضافة إلى أن رئيس المحكمة لا يتوفر على الشخصية المعنوية، حتى يوقّع هذا النوع من الاتفاقيات، فضلا عن أن تنفيذ الأحكام القضائية يتم لقوة الشيء المقضي به.
لكن كلما وقع قيادي محسوب على العدالة والتنمية في زلة قانونية، إلا والتجأ إلى خدمات قاض ليطلب منه “تخريجة” قانونية، وفقا لما يساير هوى الحزب، كما جرى بالنسبة إلى هذه الاتفاقية.
ولمن لم يفهم بعد الأسباب الحقيقية، التي تدفع هذا القاضي إلى الإدلاء بتصريحات مباركة لقرارات حزب العدالة والتنمية، التي تنقلها مختلف الصحف والمواقع الإلكترونية الناطقة باسم الحزب الحاكم، عليه أن يعرف أن “سعادة” القاضي هو زوج بنت أخت نبيلة بنكيران، زوجة عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، ويحتل سكنا وظيفيا في محكمة الاستئناف بالرباط، دون وجه حق، على الرغم من أنه لا يشتغل فيها، معتمدا في ذلك وساطة وزير “العزل” وما تبقى من حريات المنتمي إلى الحزب ذاته.
لكن ما تجب معرفته هو أن قرار تنفيذ الأحكام القضائية، صدر عن قيادة حزب العدالة والتنمية، إلى رؤساء مجالس الجماعات، من أجل تسريعها، حتى يكسب الحزب تعاطف المواطنين من خلال تنفيذ الأحكام لصالحهم.
ففي الرباط مثلا، نفى مكتب المجلس أن تكون في علمه تفاصيل هذه الاتفاقية، وأن صديقي أقدم لوحده على توقيعها مع رئيس المحكمة الإدارية، دون أن تسلك الطرق القانونية لذلك، عبر مرورها من اللجنة المالية والاقتصادية وكذا القانونية، ثم عرضها للمصادقة من طرف المجلس، بالنظر إلى قيمة المبلغ المالي الذي وجب على المجلس تسديده، في أجل ستة أشهر، قبل وضعها أمام السلطات المتمثلة في والي الجهة من أجل تأشيرها، يتجاوز 10 ملايير سنتيم. وبينما جرى اقتطاع مبلغ 251 مليون درهم من حساب مجلس مدينة طنجة، بعد تنفيذ أحكام الحجز لمجموعة من القضايا المرفوعة ضد الجماعة بالنفاذ المعجل، ما أدخلها في عجز مالي، بلغت قيمة مبالغ الأحكام الصادرة ضد مجلس العاصمة، حوالي 102 مليون درهم، في الوقت الذي أدرج صديقي ملياري سنتيم فقط في مشروع ميزانية 2017، التي أسقطها الوالي لفتيت.
ولشكر التجار الصغار الذين ساندوا بنكيران ومرشحيه في الانتخابات التي أوصلتهم إلى المجالس الجماعية والحكومة، فقد كان من بين القرارات التي خرج بها الحزب، وفرضها على عمداء المدن التي يسيرها، تلك المتعلقة برفع قيمة الضرائب على التجار الصغار، وهو نوع جديد من “الحكرة”، التي أصبح حزب بنكيران يمارسها فيما يتغاضى عن كبار التجار، سيرا على منهج “عفا الله عما سلف”.