في شهر مارس الماضي أصدرت محكمة تيفلت حكما يقضي بإدانة ثلاثة متهمين في قضية اغتصاب الطفلة سناء، وعاقبتهم بسنتين حبسا نافذا للمتهم الأول، واكتفت بعقوبة مقدارها ثمانية عشر شهرا لشريكيه في جناية «التغرير بقاصر عن طريق التدليس وهتك عرضها بالعنف نتج عنه افتضاض»، ونتج عنه أيضا رعب نفسي.
خلف هذا الحكم «المجفف» موجة من الاستياء والغضب لدى فعاليات حقوقية ومدنية تعنى بالمرأة والطفل، أجمعت على أن هذا الحكم «غير منصف ويضرب جهود حماية الطفولة والنساء»، بينما اعتقد العاديون منا أن الحكم مستفز، وطالبوا بمراجعة الأحكام وتشديد العقوبات على مقترفي هذه الجرائم البشعة.
أصبحت القضية قضية رأي عام، وانتظر المغاربة فرصة استدراك ما فات، وحين أصدرت غرفة الجنايات الاستئنافية بالرباط حكمها، انفرجت أسارير المغاربة وهم يسمعون الأحكام التي تراوحت ما بين عشر وعشرين سنة سجنا في حق المتهمين الثلاثة في قضية اغتصاب سناء، وعززت الحكم بغرامات مالية لفائدة عائلة الضحية.
بين تيفلت والرباط تضاعفت العقوبات عشر مرات، بين زمور والعاصمة اجتازت العدالة أكبر اختبار، وتبين فعلا أن الشوط الثاني في الأحكام، شوط القضاة والرأي العام.
لنترك قضية سناء جانبا ونفتح ملفا ما زال يتداول في محاكم الدار البيضاء. إذ أصدرت المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء حكمها في حق رئيس الجامعة الملكية للشطرنج، بتهمة خيانة الأمانة، من خلال التلاعب في أموال الجامعة، والتي تقدر بملايين الدراهم.
بكل الهدوء الذي يميز مباريات الشطرنج، أصدرت المحكمة حكمها على رئيس الجامعة، بستة أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة مالية نافذة قدرها ألف درهم، والحكم على متهمين اثنين في هذا الملف، مديرة مالية وإدارية بالجامعة، بشهرين موقوفي التنفيذ وغرامة مالية نافذة قدرها ألف درهم، حيث تابعتهم المحكمة جميعا من أجل خيانة الأمانة، وبرأتهم من تزوير محرر بنكي وتجاري.
أثار الحكم موجة غضب في الوسط الرياضي، وتبين أن الحكم كان مخففا ضد من «اغتصب» الميزانية وافتض بكارة الحكامة، ولأن الشطرنج لعبة العقلاء، فإن العقل يعجز عن فهم حكاية حكم موقوف التنفيذ وقصة غرامة لا تتعدى ألف درهم، رغم اعتراف المتهم بتحويل مبالغ مالية من حساب الجامعة لحسابه الشخصي، تحت ذريعة استرجاع مبالغ أقرضها لنفسه. لحسن الحظ أن لعبة الشطرنج لا جمهور لها ولا فصائل تساندها ولا مدرجات تكشف عورات مسيريها، ولأنها رياضة العقل، فإن حملات «الهاشتاغ» لا تقترب من رقعتها.
اليوم ينعم رئيس الجامعة بالديباج وتنعم شريكته بالحرية، دون أن يهتما بالغضب الساطع القادم من الشطرنجيين، الذين يحتجون في هدوء ولا يقبلون على خطوة نضالية، إلا بعد تفكير عميق. لكن الرئيس الذي ما زال أمامه اختبار استئنافي، عاد لإدارة شؤون جامعته، وطالب الأندية بتسديد واجبات انخراطها في الجامعة.
ومن المفارقات العجيبة أن يتزامن هذا الاحتقان مع شريط تلفزيوني يعرض في هذا الشهر الفضيل، تحت عنوان: «لاعب شطرنج»، وهو للمصادفة عمل درامي يتسم بطابع بوليسي يمزج بين الخيال والواقع، ويسلط الضوء على مجموعة من قضايا النصب والاحتيال، لكن كل تشابه في الأسماء والأشخاص فهو من خيال المخرج.
حين نعود إلى دفاترنا القديمة، سنقف عند عشرات الملفات المجمدة، نتذكر قرار وزير الرياضة السابق رشيد الطالبي العلمي، حين قرر متابعة إحدى عشرة جامعة رياضية قضائيا، في قضايا تتعلق بتهم جنائية، بعد إحالة ملفاتها على محكمة جرائم الأموال العامة بالرباط. طوي الملف وعاد الرؤساء إلى عاداتهم القديمة.
يثير صندوق «الفار» لغطا كثيرا في ملاعب الكرة، رجاء عينوه مراقبا في دهاليز الجامعات، سيسقط كل يوم مغتصبا للميزانية.
حسن البصري