شوف تشوف

الرأي

رابح زعفان

حسن البصري

قتلت الصحافة الجزائرية المدرب رابح سعدان، شيخ المدربين الجزائريين الذي قاد الرجاء الرياضي لكرة القدم للظفر بكأس إفريقيا للأندية البطلة، ورافق المنتخب الجزائري في كثير من محطات النجاح.
ولأن أخبار وفاة المشاهير تتناسل في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تناقل المغاربة الخبر وحددوا موعد الدفن ومكانه، وذهب أحد الصحافيين النجباء إلى حد نسج خيوط مقال بعنوان «وصية سعدان».
لكن شقيق المدرب «الميت» إعلاميا، نفى الأخبار التي انتشرت كالنار في الهشيم، وبرأ كورونا ودلتا من دم سعدان، قبل أن يتصل «المتوفى» شخصيا بإحدى الصحف الجزائرية ويعلن استمراره على قيد الحياة، مكتفيا بالقول: «أنا في مونبوليي في كامل صحتي، حسبي الله ونعم الوكيل».
ليست المرة الأولى التي يموت فيها سعدان، ففي العام الماضي قتلته شائعة كورونا وكتبت صحيفة جزائرية خبر الوفاة باللون الأسود، وقالت إنها تقبل التعازي وتنشرها مجانا، وفي اليوم الموالي زار المدرب مقر الجريدة ووضع بيان حقيقة، ثم انسحب في صمت حتى لا يموت مرتين. وفي اليوم الموالي تلقى رابح تهنئة بسلامته في الصفحة الأولى من طاقم الجريدة.
يحجز سعدان للرجاء المغربي مساحة في قلبه، وهو الذي أحرج الجزائريين في وهران، وقاد الفريق الأخضر لانتزاع أول لقب قاري من قلب وهران، متحملا شتائم الوهرانيين. ولم يكتف بالكأس القارية، بل عزز صفوف الفريق المغربي بخيرة نجوم المنتخب الجزائري، خاصة حارس المرمى نصر الدين دريد وصانع الألعاب شريف الوزاني، وظل يحمل شعار الرجاء في قبعة لم تفارقه، بالرغم من تحذيرات الجزائريين.
لم يكتف سعدان بتدريب الرجاء المغربي فقط، بل أشرف على تدريب اتحاد طنجة والدفاع الحسني الجديدي، وكان أقرب إلى تدريب المنتخب المغربي، لولا تحرك الجزائر في آخر لحظة لسحب البساط من تحت قدميه.
كل هذا لم يشفع له ليموت حيا ويدفن حيا وتقدم التعازي لأسرته، قبل أن يبتلع المغردون دعواتهم ويمسحوا تدويناتهم ويلعنوا السبق الصحفي الذي ورطهم في جريمة قتل مدرب حي يرزق. ومنهم من أغلق هاتفه والتمس العذر واستبدل دعاء الصبر والسلوان، وهو يردد في قرارة نفسه: «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا».
لا يؤدي مشاهير الكرة في المغرب وخارجه ضرائب لخزينة الدولة، لكنهم يؤدون ضرائب أخرى فهم دوما عرضة لإشاعات مسيلة للدموع، تجاوزت حدود التزويج والتطليق، إلى الدفن قبل الموت. طور صناع الإشاعة منتوجهم تماشيا مع التطور التكنولوجي القادر على نشر الخبر بأقصى سرعة ممكنة، دون الحاجة إلى البحث والتحري في الخبر.
الإشاعة في المغرب كالسكين «الحافي» لا تذبح إلا بتكرار المحاولة، فكثير من المدربين قتلوا مرات ومرات، قبل أن تفيض أرواحهم، ومنهم من لا يزالوا على قيد الحياة، ومنهم من مشوا في جنازة «قاتليهم» وهم يرددون الحوقلة.
يجمع ضحايا الإشاعة على ضعف نفوس صناعها، ويؤكدون ضلوع مواقع التواصل الاجتماعي في القضية، ومساهمة بعض المشاهير أنفسهم في نشر الأكذوبة على نطاق واسع، حتى ينفض عنهم الرأي العام غبار النسيان.
لم تسلم الصحافة الرياضية من الأخطاء المطبعية، فقد كتبت صحيفة «الميثاق الوطني»، في منتصف الثمانينات، عنوانا يقول: جلالة الملك الحسن الثاني يستقبل زعماء المغرب الفاسي، والمقصود المغرب العربي، وكتبت صحيفة أخرى عن زيارة محمد علي كلاي إلى المغرب، عنوانا عريضا مثيرا للتقزز: «البطل الأسطوري يتبول في أسواق الدار البيضاء»، وعلى القارئ أن يعوض التبول بالتجول ليفهم المغزى الحقيقي. ولعل أكثر الأخطاء إثارة للسخرية، هي ما حصل في جريدة «العلم»، حين كتب رئيس التحرير على ذيل تعزية معدة للنشر لزوجة قيادي استقلالي في وقت متأخر من الطبع «الصفحة 12 إذا كان وجد لها مكان»، وحين نشرت التعزية فوجئ أهل الراحلة بنعي مبعثر جاء فيه: «ودفنت الفقيدة في مقبرة الشهداء الصفحة 12 إذا وجد لها مكان».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى