رئيس للإيجار
حسن البصري
من مزايا كورونا إجهازها على الجموع العامة للفرق الرياضية، وإقبارها لديمقراطية الكرة حتى كانت الاجتماعات عن بعد/ في مثل هذا اليوم تكون عادة كل الفرق المغربية قد عقدت جموعها العامة وأنهت طبختها السنوية وغسل أعضاؤها أيديهم مما علق بها من دهون.
لا أحد يفكر الآن في الجمع العام، فالمحاسبة في زمن كورونا حمق، وتغيير الكراسي وتسلق المناصب مغامرة غير محمودة، والتجمعات ممنوعة بقرار من وزير الداخلية حتى ولو تعلق الأمر بمنخرطين، لذا سيكون لكثير من رؤساء الفرق المغربية متسع من الوقت للاستعداد للانتخابات التي تزحف على بطنها وتنذر بتحويل عام 2021، إلى «عام الاستحقاقات الانتخابية».
قال معمر القذافي، الزعيم الليبي السابق، وهو يخاطب قيادات اللجان الشعبية، بنبرة عنترة بن شداد:
ويحكم يا جيل الغضب، ألم أحذركم من السياسة؟ ألم أقل لكم مرارا من تحزب خان؟ لا تقربوا السياسة ولا تدخلوا أبوابها فلا نيابة عن الشعب.
صفق الحاضرون وهتف الموالون للفكر القذافي، ورددوا في كورال جماعي: «يا قائد ثورتنا على دربك طوالي». وحين أطيح بالقذافي تنكر الجميع للكتاب الأخضر الذي كانوا يقسمون به، ويعتبرونه دستورهم الذي لا يتسلل الشك من بين أوراقه، وما أن أكمل الزعيم أربعينيته حتى تأسست الأحزاب واحتلت المقرات واستقطبت أعدادا من الذين لطالما صاموا لسنوات عن السياسة قبل أن يفطروا على وجبة الفصائل، وأصبح لكل فريق حزب وفصيل وعقيد.
في المغرب الأحزاب السياسية كفرق الكرة لها لون وملعب ومقر ومباريات وزعماء وأتباع وموشحات ودعم وتاريخ وجغرافيا وعزوف، في المشهد الكروي يمكنك أن تشم رائحة السياسة، وتتعلم دروسا إضافية في علم المصلحة الخاصة واقتصاد السوق الكروي.
أغلب رؤساء الفرق يمارسون السياسة سرا وعلانية، يطالبون بالديمقراطية ويستظهرون مفاهيم الحكامة والشفافية، وحين يجلسون على كرسي الزعامة يتخلصون من صناديق الاقتراع وينزعون صور السلف الصالح من الحيطان، ويتحصنون في قلاع فايسبوكية ويدفعون بجيشهم الأزرق إلى الجبهة المتقدمة وهم يقولون: «إلى الأمام سر».
يهرول رؤساء الفرق الرياضية نحو السياسة، وهم يبتغون قبعة أخرى تمكنهم من صناعة القرار السياسي، استنادا إلى تجربتهم الرائدة في صناعة القرار الرياضي. بين الغرف الحرفية والنقابات والمجالس الجماعية والبرلمان، ينتشر مسؤولو الكرة في أرض الله الواسعة، بعد أن كانوا يلعنون السياسة ويرددون «أعوذ بالله من السياسة» ويتلون سرا وعلانية اللطيف كلما مروا أمام دكان سياسي يبيع التزكيات.
لا يخلو تجمع سياسي من أسماء رياضية استبدلت المنصة الرسمية للملاعب بالمنصة الحزبية، وفي كلماتهم زلات لسان تكشف عن صعوبة التخلص من قواميس الكرة، ورغبة في إبرام صفقات لتعزيز تشكيلة الحزب بحياحة متمرسين ولو على سبيل الإعارة.
أما الراسخون منهم في السياسة فهاجسهم البحث عن عهدة جديدة، بعد أن أمضوا أزيد من خمس سنوات في باحة استراحة تسمى برلمانا نائمين في العسل، وفي أصعب الحالات وأقساها يرفعون أيديهم مكرهين للتصويت على قانون حتى ولو كلف الأمر تشنجا في عضلات الكتف.
بالأمس كان السياسي في خدمة الكرة، واليوم أصبحت الكرة في خدمة السياسة، بعد أن اختلت الموازين وأصبح الشأن الكروي جسر عبور نحو الوجاهة، كان مؤسس الوداد محمد بن جلون شوريا محاطا بكثير من الاستقلاليين، وترأس الرجاء اتحاديون وشوريون ودستوريون ونقابيون، وكانت اتحاد طنجة قلعة للتجمعيين وبني ملال للحركيين وأكادير للاتحاديين قبل أن يختار كثير من رؤساء هذا الزمن الولاء للانتهازيين.
يستعين كثير من الرياضيين على قضاء حوائجهم بالانتماء للأحزاب السياسية، هناك لا أحد يطلب منهم تحقيق ألقاب وإنجازات، بقدر ما يطالبون بتنشيط البطولة وتسجيل أهداف في مرمى الخصوم حتى في حالة تسلل، وإصدار بيانات كلما دعت الضرورة لذلك.
ما يخفى عن كثير من رؤساء الكرة أن الحزب السياسي مجرد ماكينة تدخل إليها وأنت خنزير وتخرج منها على شكل نقانق.