رئيس حكومة الشاكر باكر بن
نظريا وفكريا يعترف رئيس الحكومة بأنه تلميذ وخريج مدرسة المفكر السلفي المصري سيد قطب، وتطبيقيا في الممارسة يظهر أن السي بنكيران يتمتع بكل مواصفات مدرسة العبث المسرحي، ويعود له الفضل في إدخالها إلى عالم السياسة. فمعه عشنا طيلة هذه السنين ونحن نتابع أداءه بمهارة عالية دور «غودو» في مسرحية الكاتب الفرنسي من أصل إيرلندي صامويل بيكيت. ومنذ تعيينه رئيسا للحكومة شفنا كل تجليات العبث في الزمان والمكان والحوار والشخوص، وإلى اليوم لا زالت الأسئلة قائمة متى سيسقط الفساد وكيف وأين وكيف؟ وهنا براعة زعيم العدالة والتنمية الذي يعلم أن ركيزة مسرح العبث هي نهاية المسرحية وعدم وجود الحل.
وطيلة شهر رمضان الذي ودعناه، رأينا السي بنكيران ينزع عن كتفيه بذلة رئيس الحكومة ويؤدي دور الداعية ويسبق الدروس الحسنية بفيديو على صفحته الرسمية في «فايسبوك»، وبعدها بقليل تقمص دور «العدول» بعدما قال مخاطبا الحداثيين: «واش حنا زوجنا الرجال مع العيالات بقا لينا غير الرجال مع الرجال؟». ولكي يكمل دور التشخيص العبثي أبى رئيس الحكومة إلا أن يتحول في آخر رمضان إلى أداء شخصية «النفار»، ويعلن تنبؤاته اليقينية عن هلال العيد، حتى قبل أن تصح رؤيته.
وفي الوقت الذي يخصص فيه كل رؤساء الحكومات في العالم لقاءاتهم مع وسائل الإعلام لعرض أفكارهم وتصوراتهم وحصيلتهم ومشاريعهم المستقبلية، ويتكلمون مع شعوبهم بالأرقام في السياسة والاقتصاد وشؤون المجتمع، تابعنا السي عبد الإله طيلة شهر رمضان وهو يقص علينا ذكرياته أيام الطفولة والمراهقة وزمن الشبيبة الإسلامية، ويوم كان يبيع «قراعي جافيل»، ويوم كان يدرس التلاميذ في السبعينيات، ومن بينهم زوجته، بعشرة دراهم للساعة، مع أن الحقيقة في كل هذا العبث الذي يتقنه بنكيران ويتلقى مقابله 10 ملايين سنتيم أجرا شهريا، هي أنه ضاعف راتبه من السبعينيات إلى اليوم عشرة آلاف مرة، أما أغلب المغاربة فلازالوا «كايضربو الكرفي» في عهده بعشرة دراهم في اليوم وليس في الساعة، وما عليه سوى إعادة قراءة أرقام الإحصاء العام.
هكذا هو بنكيران يختار الكلام دائما في ما لا يسئل عنه، ولديه الأجوبة الكافية عن غزوة بدر والهداية الربانية وذكرياته وعن «السريفات» والأرانب، في وقت يصاب بالإعاقة الكلامية لما يتعلق الأمر برهانات البلد ومشاكل المواطنين والتحديات التي تواجه الأمة. وحين يفاخر رئيس الحكومة ويذر التواضع في العيون بكونه كان يعمل بعشرة دراهم، فقد كان الأجدر به أن يكشف للمغاربة ويصارحهم بحجم راتبه وتعويضاته وكم يكلف خزينة الدولة في سفرياته وتنقلاته ومصاريف حراسه في 2015 وليس في السبعينيات، ويقول أيضا للمغاربة إنه إلى جانب ما يكلفه للخزينة، فإن ابنه يدرس في فرنسا على حسابنا ويصرف له المغاربة 5 آلاف درهم شهريا من المال العام لدافعي الضرائب. وعوض أن يحدث الناس والعباد عبر «فايسبوك» عن غزوة بدر، كان على رئيس الحكومة أن يشرح للمغاربة ويتفاعل معهم بالإجابة عن سؤال واحد: «واش ما عندكش باش تقري ولدك؟».
شخصية السي عبد الإله ليست شخصية معقدة على الفهم، فالرجل يمارس السياسة بفكرة محورية تتلخص في «هبل تربح».. ولذلك نراه يؤدي أدوار كل الشخصيات التي تخطر على البال إلا الشخصية التي انتخب وعينه الملك من أجلها ويتقاضى عنها راتب رئيس حكومة، وكل إنجازاته أنه مسرح السياسة، وخلق الفرجة، يصيح هنا ويعلق هناك، يضحك ويبكي ولا رابط أو منطق في كلامه، وأصبح يوما عن يوم يتماهى مع شخصية العربي الدغمي في الفيلم العبثي لنبيل لحلو: «جزيرة الشاكرباكربن».