رئيس الاستعلامات العامة مشرفا على التحكيم ورئيسا للجنة الأولمبية
قضاة الملاعب حسن الصفريوي (رئيس اللجنة المركزية للتحكيم سابقا)
حسن البصري:
ولد حسن الصفريوي في مدينة فاس وتحديدا في حي فاس الجديد سنة 1938، وهو ينحدر من عائلة حلت بفاس قادمة من صفرو، في فترة ما قبل الاحتلال الفرنسي للمغرب، حين كانت مدينة فاس متنوعة الأعراق تتعايش فيها العديد من العائلات التي تحمل معها أسماء مناطق أصولها بالمغرب كالسلاوي نسبة لسلا والفيلالي نسبة لتافيلالت والتازي نسبة لتازة والصفريوي نسبة لصفرو..
ابن درب فاس الجديد يصبح حاكما للكرة
نشأ الفتى في حي فاس الجديد غير بعيد عن المشور، الذي كان فضاء للتعايش بين الديانات وبين الانتماءات العرقية، بل وكان تجمعا يتميز بالتعدد الثقافي والتنوع السكاني، في فترة كانت فيه فاس، على غرار باقي مناطق المغرب، تعيش أزمة اقتصادية رهيبة شجعت العديد من الأسر الفاسية على مغادرة المدينة.
كان الفتى مولعا بالكرة رغم أن أسرته أصرت على منعه من ممارستها وتسجيله مبكرا في المسيد، إلا أنه كان يستغل نصف فرصة للعب الكرة المصنوعة من القماش، بالقرب من جنان السبيل وحي مولاي عبدالله، وحين اشتد عوده انضم للوداد الفاسي فريق الحي الذي أسسه أبناء حي فاس الجديد، خلافا لما جاء في كثير من الكتابات التي قالت إن حسن الصفريوي كان من مؤسسة الوداد الفاسي.
خاض حسن أولى مبارياته في دروب الحي، وجمعت فرقا تمثل فاس الجديد، كدرب البلاغمة، فران اضويو، لالة اغريبة، سقاية العباسيين، القنوط، الكارة، درب العبيد، درب الشرقاوي، مولاي علي الشريف، سيد الصواف، لالة جامع الزهر، وعدة دروب كبيرة.
في نفس الحي تقاسم حسن الفصول الدراسية مع كثير من الشخصيات الفاسية، كما التقى وهو لاعب في صفوف «الواف»، بأحد مدعمي النادي مولاي أحمد العلوي وابن بوشتة والكولونيل الداودي وغيرهم من الشخصيات خاصة أولئك الذين حملوا قميص الوداد الفاسي وتقاسم معهم عشق «الواف»، بالمدافع بن علي ووحمان والخلطي والسادني ومولاي إدريس. ومن نجوم الكرة الفاسية المنحدرين من فاس الجديد كذلك، نجد اللاعب الدولي ولاعب فريق المغرب الفاسي عبدالوهاب عتيق، عميد المنتخب الوطني خلال ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1983، وإدريس كرامي والحارس حسن رفاهية والمدرب نجيب الفيلالي مدرب «الماص» في رياضة كرة السلة، ثم إدريس الديبا بطل رياضة المشي الطويل.
في مفترق الطرق، قرر حسن أن يتابع دراسته الجامعية فاختار الدراسات القانونية ليصبح إطارا أمنيا رفيعا في سلك الأمن الوطني.
الصفريوي يعلن نفسه رئيسا لفريق الشرطة
حين عين رئيسا للأمن الإقليمي في مدينة طنجة، جس نبض عاصمة البوغاز كرويا، وقرر جمع فريق مكون من رجال الأمن قصد الدخول للتنافس الكروي، استطاع تكوين فريق «البوليس» وخاض معه مباريات ودية قبل أن يقرر دخول غمار المنافسات الرسمية.
وضد كل التوقعات انخرط الفريق تحت لواء الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم باسم «اتحاد شرطة طنجة»، بعد نيل موافقة المدير العام للأمن الوطني وبدعم من أحمد الدليمي، الذي كان يشرف بدوره على فريق الاتحاد القاسمي، وفي ظرف زمني قصير سيتمكن فريق الصفريوي الصعود إلى القسم الأول، بعد أن عزز الفريق صفوفه بعدد من اللاعبين الذين ألحقهم بسلك الشرطة..
لم يكن حسن مجرد رئيس للفريق، بل كان لاعبا أيضا في صفوفه كما مارس التدريب لفترات متقاطعة، بل كان يقوم بتحكيم بعض مبارياته التدريبية، ولعل مصدر قوة اتحاد الشرطة يرجع لروح الانضباط التي ميزت لاعبيه، وهم خليط من المغاربة والإسبانيين، نذكر منهم: شقرون وبزيك وبوزامبو وعبد السلام والشاوني ورشدي وإيميريتو وأوسيدا وبوريكو ثم روخاس، تحت إشراف المدرب علال حداد ومحمد قنجع في الكتابة العامة للفريق.
في سنة 1961 انضم الصفريوي لسلك الشرطة، وكان من أصغر العمداء في تلك الفترة، ونظرا لشغفه بالكرة فقد تقرر منحه كل الدعم لبناء فريق قوي يمثل طنجة، رغم أن بطولة القسم الثاني كانت تعرف مشاركة فرق أخرى مدعومة من الأمن كاتحاد الزموري للخميسات الذي كان فريقه يتنقل في سيارات الأمن الوطني بفضل محمود عرشان، وكان الاتحاد التوركي والفتح الرباطي والمغرب الرباطي واليوسفية الرباطية وجمعية سلا ثم جمعية تازة، وهم أشد منافسي فريق «الصفريوي».
يذكر أبناء طنجة المباراة المصيرية التي حسمت أمر الصعود، وجمعت حينها الفتح الرباطي باتحاد الشرطة الطنجاوي، والتي حسمتها ضربات الترجيح لفائدة «البوليس»، وكيف حمل اللاعبون رئيسهم حسن الصفريوي على الأكتاف، وكانت المكافأة عبارة عن مناصب شغل في سلك الأمن للاعبين المغاربة الذين لا شغل لهم.
سيغير الفريق اسمه من اتحاد الشرطة إلى اتحاد طنجة، وتم تعزيز الفريق الصاعد بأسماء مجربة وعدها الصفريوي بدخول المعهد الملكي للشرطة، أمثال: كادي والسادني وهما من حي درب الجديد بفاس، وفيلالي المحمدية وعبد العزيز الفتحي والتسولي والسانتي من طنجة ومراكشي ولغرايشي، مع الاستعانة بالحارس البرتغالي كارلوس غوميز، الذي كان موقوفا من «فيفا» وبفضل تدخلات الصفريوي وكتابته تمت الموافقة على ضمه للفريق الطنجاوي، ومنها سيلتحق بالنادي المكناسي قبل أن ينهي مساره مدربا لعدد من الفرق المغربية.
لكن الصفريوي سيغادر طنجة مكرها بعد أن حصل على مصنب أمني رفيع، وفي الرباط كرر التجربة ذاتها، لأنه هوس الكرة يسكنه. بل إن أسس نواة لمنتخب الشرطة كان يصنع مجد الكرة المغربية في نهاية الستينات، وأن أندية مغربية للأمن الوطني كانت تشارك في مختلف التظاهرات، كالنجم المراكشي واتحاد الشرطة الذي ترأس مكتبها المديري حسن الصفريوي الذي شغل عدة مناصب قيادية في جهاز الأمن في طنجة والرباط والدار البيضاء، قبل أن تنقرض هذه الفرق وينمحي المنتخب الأمني.
في نهاية السبعينات شارك منتخب الشرطة المغربي في أول بطولة مغاربية بطرابلس، وفاز المغاربة أداء ونتيجة، قبل أن يصبح هذا المنتخب رافدا من روافد الفريق الوطني «المدني»، بعد أن تم تشغيل عدد من عناصره في سلك الشرطة.
في الرباط حول حسن فريق الهلال إلى فريق للشرطة يحمل اسم الاتحاد، وجلب له لاعبين من مختلف الفرق على غرار الدعدي وخربوش والسوادي بإشراف من المدرب بوجمعة بن خريف، حاول من خلاله تكرار تجربة شرطة طنجة في حي يعقوب المنصور، لكنها لم تستمر طويلا بسبب الانشغالات المهنية للصفريوي.
ترؤس قطاع التحكيم وإدارة المنتخب ورئاسة اللجنة الأولمبية
في بداية السبعينات دخل حسن الصفريوي الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وأسندت له مهام تقنية وإدارية، حيث عين رئيسا للجنة التحكيم في عهد كل من بدر الدين السنوسي وأرسلان الجديدي ثم عثمان السليماني، بموازاة مع ذلك شغل منصب رئيس اللجنة الأولمبية في مناسبتين، الأولى بين 1973 و1977 خلفا لمحمد بنجلون، والثانية سنة 1993، لمدة لم تتجاوز سنة واحدة، كما تحمل مسؤولية التسيير في جامعة الغولف.
كان حسن الصفريوي عضوا بالمكتب المديري للجامعة، ورئيسا للجنة المركزية للتحكيم، وفي عهده بدأت هيكلة قطاع التحكيم وأصبح الحكام يخضعون لدورات تكوينية ويخضعون لاختبارات سنوية، كما انضم في عهده العديد من رجال الأمن إلى قطاع التحكيم.
ظل اسمه حاضرا في الجامعة، حيث عايش مجموعة من الحكام كلاراش والأخوين باحو وجقاوة وبلفقيه والناصري وبلفتوح والناجيدي والجوهري والبوكيلي والسطالي وبحار وبنعلي والمير والسويدي وغيرهم من الحكام الذين برزوا على الساحة الوطنية. كما أن الملك الراحل ظل يعتمد عليه في كثير من المهام، إذ دعاه لاجتماع طارئ عقب هزيمة المنتخب المغربي ضد نظيره الجزائري في دجنبر 1979، وأخبره بحل المكتب الجامعي وتكوين لجنة مؤقتة لتسيير شؤون الكرة، وسيصدر بيان من الديوان الملكي يعلن عن تعيين جيست فونطين مدربا للمنتخب المغربي وحسن الصفريوي مديرا تقنيا للمنتخب.
كان الحسن الثاني وراء تعيين الصفريوي رئيسا للجنة الأولمبية الوطنية المغربية، ابتداء من سنة 1973 خلفا للراحل محمد بن جلون، وظل في هذا المنصب إلى غاية سنة 1977، حيث سيعوضه في ظرف سنة ونصف ثلاث رؤساء وهم على التوالي: محمد الطاهري الجوطي وزير الرياضة والكولونيل المهدي بلمجدوب ثم رشيدي العلمي، قبل أن يعود لرئاسة هذا الصرح الرياضي سنة 1993 بقرار من الحسن الثاني لمدة لا تتجاوز السنة.
نهاية رجل.. نهاية مرحلة
حالت مسؤولياته الأمنية دون الاستمرار في الجمع بين مهام كبرى تتطلب منه الحضور اليومي لمقر الجامعة ومقر اللجنة الأولمبية، فضلا عن أسفاره مع المنتخبات الوطنية، قبل أن يغادر سلك الأمن الوطني برتبة مراقب عام حيث أشرف في نهاية مساره المهني على الاستعلامات العامة وهو منصب جد حساس كان يتطلب من الصفريوي جهدا كبيرا للتوفيق بين المهام الأمنية والمسؤوليات الرياضية. قبل أن يتم إحالته على التقاعد مباشرة بعد اعتقال رئيس قسم الاستعلامات بالدار البيضاء في قضية ثابت، ويقطع حبل الود مع الكرة.
ولأن حسن يرفض الاعتزال بسبب جرعات النشاط التي كانت تسكنه، فقد ظل حاضرا في أنشطة جمعية صداقة ورياضة التي يرأسها سعيد بن منصور الذي تقاسم معه هموم قطاع التحكيم، إلا أن الصفريوي عانى من المرض وتوارى عن الأنظار.
وحظي المرحوم قيد حياته بلحظة وفاء بمدينة طنجة من خلال تنظيم حفل تكريمي على شرفه في شهر ماي 2017، بمبادرة جمعية قدماء لاعبي اتحاد طنجة لكرة القدم وجمعية الصداقة لمتقاعدي الأمن الوطني. وتميز الحفل بحضور عدة وجوه رياضية ومسؤولين عايشوا فتراته الزاهية، نظير حسن أقصبي والمرحوم نور الدين الصايل.
كما نظمت على شرف حسن الصفريوي حفلات تكريم بعد اعتزاله الكرة، في مدن شمال المملكة بالخصوص كالقصر الكبير، كما كرمته الجمعية المغربية للصحافة الرياضية في عيد الإعلام بالرباط.
غاب الرجل عن الأنظار إلى أن فوجئ المجتمع الرياضي بخبر وفاة مسير متعدد الاختصاصات وساهم في تنظيم مجموعة من التظاهرات الرياضية الدولية والقارية والوطنية باحترافية عالية، ووري جثمان الفقيد الثرى بمقبرة حي الرياض بالرباط بعد صلاة الظهر ليوم الأحد 29 غشت 2021، فقد شاءت الصدف أن يغادر الحياة في يوم كانت فيه ملاعب الكرة الوطنية تعرف مباريات الحسم في اللقب.