محمد اليوبي
وجه عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، دورية إلى ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، حول تدبير المنازعات القضائية للجماعات الترابية، وتأتي هذه المذكرة بعد توصل الوزير بتقارير حول وجود تواطؤ لرؤساء جماعات في تنفيذ أحكام قضائية بالملايير لفائدة أشخاص يرفعون دعاوى قضائية ضد الجماعات بسوء نية.
وأكدت دورية وزير الداخلية وجود مسؤولية قانونية لرؤساء مجالس الجماعات الترابية في تدبير منازعاتها، حيث أسندت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية لرؤساء مجالسها مسؤولية التمثيل والدفاع عنها لدى المحاكم، تحت طائلة ترتيب مسؤوليتهم عن كل تقصير أو إخلال بواجبات التمثيل أو الدفاع، وذلك حماية لمصالحها وحفاظا على حقوقها. وأشارت الدورية إلى أن التمثيل القانوني للجماعات الترابية لدى المحاكم، يقتضي من رؤساء مجالسها الدفاع عن مصالحها أمام الجهة القضائية المعروض عليها النزاع مدعية كانت أو مدعى عليها، وذلك عن طريق إقامة جميع الدعاوى القضائية باسم جماعتهم الترابية، وتتبعها في جميع مراحل الدعوى، ومعرفة مآلاتها، مع وجوب إخبار المجالس بهذه الدعاوى المرفوعة عند أول دورة عادية أو استثنائية على رفع هذه الدعاوی، كما يعهد إلى رؤساء المجالس مسؤولية تتبع الدعاوى القضائية المقامة ضد جماعاتهم الترابية والقيام بجميع الإجراءات أمام مختلف المحاكم بهدف ضمان تدبير جيد لهذه المنازعات، وتفادي صدور أحكام في غير صالحها.
وحث وزير الداخلية رؤساء الجماعات على ضرورة التأكد من مدى صحة ادعاءات المدعين، حيث إن تتبع المنازعات القضائية للجماعات الترابية أظهر لجوء بعض المتقاضين إلى رفع دعاوى ضد هذه الأخيرة بسوء نية، وذلك من أجل استصدار أحكام قضائية بأداء مبالغ مالية لفائدتهم، وفي مثل هذه الحالات، يتعين على الجماعات الترابية المعنية أن تبادر إلى رفع دعاوى في مواجهة المعنيين بالأمر، وذلك من أجل المطالبة باسترداد هذه الأموال، وعند الاقتضاء، تحريك الدعوى العمومية في مواجهتهم.
ومن أجل تأمين الدفاع عن مصالح الجماعات الترابية أمام القضاء، فإن رؤساء مجالس هذه الأخيرة مدعوون إلى الاستعانة بمحامين لهذه الغاية وذلك في احترام تام للضوابط القانونية المعمول بها، مع الحرص على تتبع أداء المحامين والتنسيق المستمر معهم في مختلف المساطر، وذلك ضمانا لفعالية الدفاع وحسن تتبع الملفات القضائية الموكولة إليهم.
وحسب الدورية، أوجب المشرع على رؤساء مجالس الجماعات الترابية السهر على اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بحفظ مصالح هذه الأخيرة في إطار المنازعات القضائية وتكريسا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن أي إخلال بهذه المهمة قد يرتب مسؤوليتهم في إطار المقتضيات المتعلقة بالمراقبة الإدارية.
وكشفت مصادر من الوزارة أن مجموع المبالغ المحكوم بها ضد الجماعات الترابية وصل إلى مبالغ خيالية بالملايير، وما يثير الانتباه هو سرعة تنفيذ هذه الأحكام من طرف رؤساء الجماعات، ما يثير شبهة التواطؤ، حيث بلغت نسبة التنفيذ 80 في المئة، وما يؤكد شبهة التواطؤ، حسب المصادر ذاتها، هو أن العديد من الجماعات الترابية لا تقوم بالطعن في الأحكام والقرارات الصادرة ضدها عن طريق استئنافها أو نقضها قبل أن تكتسي قوة الشيء المقضي به.
وسبق للمجلس الأعلى للحسابات أن رصد اختلالات في متابعة الأحكام القضائية ضد الجماعات الترابية، حيث لاحظ قضاة المجلس، من خلال تحليل المعطيات المتعلقة بـ 1189 جماعة ترابية، أن ما يزيد عن 840 حكما ابتدائيا بقيمة 481 مليون درهم و2572 قرارا استئنافيا بقيمة 356 مليار سنتيم، اكتسب قوة الشيء المقضي به، وذلك بعد أن أصبحت هذه الأحكام والقرارات نهائية نظرا لعدم تفعيل مسطرة الاستئناف والنقض داخل الآجال القانونية، وهذا القصور يؤدي إلى تفويت الفرصة على الجماعات الترابية من أجل الحفاظ على مصالحها وتفادي تحميل ميزانياتها أعباء مالية إضافية، كما أن الجماعات لا تولي الاهتمام الكافي لتحصيل المبالغ المالية المحكوم بها لصالحها.
وبخصوص تنفيذ الأحكام القضائية، تعمل المديرية العامة للجماعات المحلية على مراقبة التزام الجماعات الترابية بتنفيذ الأحكام النهائية واحترام قدسيتها، وكذا المساهمة في تشجيع إيجاد الحلول البديلة التي تمكن من تنفيذ الأحكام في أحسن الظروف لفائدة الجماعات المعنية، وفِي هذا الإطار عالجت المديرية العامة، من خلال مديرية الشؤون القانونية والدراسات والتوثيق والتعاون، العديد من الملفات المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية، ووقفت على أسباب عدم التنفيذ وتم التوصل إلى تنفيذ بعضها، كما تمت إحالة الملفات التي تعذر تنفيذها لأسباب مالية أو لامتناع الجماعة إلى المصالح المختصة لتفعيل ما يقتضيه القانون بشأنها.
بالإضافة إلى ذلك، واصلت المديرية تنسيقها مع مصالح وزارة العدل في تتبع الملفات التنفيذية المفتوحة في مواجهة الجماعات الترابية أمام مختلف المحاكم بالمملكة من خلال لائحة جديدة للملفات التنفيذية المفتوحة لدى المحاكم الإدارية والتي تمت مراسلة كل الجماعات المعنية بها قصد التنفيذ وإيجاد الحلول الكفيلة بذلك.