رؤساء مبشرون بالقبة
حسن البصري
لا يختلف الترتيب النهائي للانتخابات البرلمانية في بلادنا، عن الترتيب المعتاد للبطولة الوطنية لكرة القدم. الفرق نفسها تتنافس على درع البطولة مع اختلاف لا يفسد للدرع قضية. الوداد والرجاء والجيش ونهضة بركان.
المشهد نفسه في بطولة السياسيين، حيث الأحرار والبام والاستقلال والاتحاد الاشتراكي، مع سقوط لفريق عجز عن الدفاع عن لقبين في حوزته وهو العدالة والتنمية، الذي رمت به المنافسات إلى أسفل المراتب وتطايرت أمام لاعبيه شظايا الغضب الجماهيري.
في كل دول العالم يتراقص درع البطولة بين فرق اعتادت لعب الأدوار الطلائعية، يدغدغ مشاعر بطل ووصيف بطل وحالم باللقب، يهرب تارة ويمسك بتلابيبه الراكضون وراءه.
في مصر الأهلي والزمالك والإسماعيلي ثم بيراميدز يتعاركون من أجل لقب البطولة والكأس، وفي تونس الترجي والنجم والإفريقي ثم الصفاقسي يتنافسون من أجل زعامة الكرة في بلد يعيش أقصى درجات الاحتقان. وما ينطبق على هذه البلدان يسري على بلدان أخرى.
لكن أم المفارقات في بلادنا أن يفوز رؤساء الفرق الرياضية بمقاعد في البرلمان، ويجمعوا بين الكرة والسياسة برغم الجدار العازل بينهما.
اكتسح رؤساء فرق كرة القدم المشهد الانتخابي وتمكنوا من نيل تأشيرة العبور لقبة البرلمان، بعد أن نجحوا في انتقاء أجود العناصر التي عززت لوائحهم خلال الميركاتو السياسي، ليس صدفة أو ضربة حظ أن يفوز في الانتخابات التشريعية رؤساء الوداد وشباب المحمدية ويوسفية برشيد ونهضة بركان ومولودية وجدة والرجاء البيضاوي واتحاد الخميسات وأولمبيك الدشيرة وفتح سباتة، ويدخلون قبة البرلمان تحفهم موشحات الجماهير التي ساندتهم في حملاتهم الانتخابية تحت شعار «صوتك لفريقك»، قبل أن يحصل تغيير اضطراري استبدل كلمة «فريقك» بـ«رئيس فريقك»، دون أن يتأثر المغزى.
اختار هؤلاء الرؤساء أحزابا تلعب أدوارا طلائعية في بطولة عصبة الأبطال السياسية، هم ليسوا بأغبياء ليوقعوا كشوفات فرق يقتصر دورها على تنشيط البطولات وتعتمد على دعم الحكومة لخوض مباريات الاقتراع، لذا لبسوا ألوانا وتأبطوا رموزا تربطها علاقة وجدانية مع صناديق الاقتراع.
فاز رؤساء الفرق بمقاعد انتخابية لأن الجموع العامة عركتهم، ولأنهم اكتسبوا فن الخطابة لطول وقوفهم أمام ميكروفونات الصحافيين، ولأنهم يجيدون مد أنبوب الدعم في جيوب كتلة ناخبة لفظتها ملاعب الكرة، لأنهم يعرفون أن المباريات تحسم في الدقائق الأخيرة.
لن تتوقف المسألة عند الظفر ببطاقة العبور للبطولة التشريعية، بل أصبح لزاما على هؤلاء الرؤساء المبشرين بالقبة أن يخوضوا تمرينا في التشريع، لا نريدهم أن يتحولوا إلى كائنات تجيد التصفيق والتصديق، ويرددوا في لحظة حماس «في بلادي ظلموني».
على قناة الرياضية أن تبادر إلى امتلاك حقوق النقل التلفزي لمناقرات رؤساء فرق الكرة، فمن بين هؤلاء أسماء قادرة على لعب دور مرتضى منصور، رئيس الزمالك سابقا، في مجلس الشعب المصري، وتسخين «الطرح» وطرد الملل الذي سيطر طويلا على مدرجات برلماننا.
لم تفرز الانتخابات نخبا كروية جديدة قادرة على إسماع صوت الكرة في هذه المؤسسة التشريعية، فالوجوه مألوفة وغيابها مضمون عن الجلسات حين تتزامن مع مباريات الكرة. حتى في حضورهم فإن بالهم مشغول وهاتفهم مفتون.
إذا كانت صناديق الاقتراع قد أفرزت رؤساء الفرق وحملتهم إلى قبة البرلمان، فإنها كانت قاسية على حكام الكرة وحملة الصفارات، وكأني بهم يتعرضون لتصويت عقابي على غرار ما تعرض له صقور العدالة والتنمية في الثامن من شتنبر.
لم يحصل الحكم الدولي المغربي رضوان جيد على مقعد برلماني في مسقط رأسه بسوس، لكنه قبل النتيجة بروح رياضية، وآمن بأن ملعب السياسة لا يدخله إلا الراسخون في علم الاقتراع والمنجمون وباعة الوعود بالتقسيط. ومني زميله الحكم الدولي عبد الرحيم اليعقوبي بخسارة في معقله بإحدى دوائر بركان، وانهزم حكام ومندوبون في معارك أخرى وغادروا ملاعب السياسة وقد ابتلعوا صفاراتهم.