شوف تشوف

الرئيسيةشوف تشوف

رأس الأفعى

عرى برلماني أوروبي فرنسي بتغريدة واحدة حقيقة فرنسا التي كنا دائما نميط اللثام عنها، فقد غرد تييري مارياني، عن التجمع الوطني، يوم الاثنين الماضي، قائلا: “من خلال التسامح مع كل تجاوزات حقوق الإنسان في الجزائر وضرب المغرب بشكل ممنهج، يعزز الاتحاد الأوروبي وماكرون النظام القائم في الجزائر ويحبط آمال أولئك الذين يطالبون، من خلال الحراك الشعبي، بتغيير حقيقي”.

فرنسا كانت دائما عبر التاريخ الحديث خير سند للأنظمة الديكتاتورية في إفريقيا، وكلما حاول شعب إفريقي أن ينتفض ضد حاكم دكتاتوري إلا وسارعت فرنسا لدعمه بالمال والسلاح والإعلام لكي يظل جاثما على أنفاس شعبه.

وما زيارة شنقريحة لباريس وتوقيعه لاتفاقيات عسكرية لتسليح جيشه سوى مثال آخر على هذا الدعم الفرنسي اللامشروط للأنظمة العسكرية المارقة التي تساند المرتزقة وتؤويهم وتسلحهم وتدافع عنهم بأموال دافعي الضرائب في المنتديات الدولية.

مباشرة بعد استقلال إفريقيا عملت فرنسا على إعداد نخب ما بعد الاستقلال، وبواسطة هذه النخب صنعت ديمقراطيات هشة وظلت تتحكم في رقاب هذه الدول عن طريق تنفيذ ورعاية الانقلابات المسلحة والبيضاء.

لكن فرنسا لم تكن تتوقع أن سحرها سوف ينقلب عليها، فقد بدأت في السنين الأخيرة سلسلة انقلابات مضادة تطيح برجال الإليزي على أيدي زعماء جدد لا يدينون لفرنسا بأي ولاء، وقد رأينا ذلك في بوركينا فاسو عندما تمت الإطاحة بالرئيس المنتخب روش مارك كريستيان كابوري، وفي مالي التي شهدت انقلاباً في ماي 2021 قام الكولونيل آسيمي غويتا الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس الانتقالي باعتقال الرئيس ورئيس الوزراء واحتجازهما في قاعدة عسكرية ليمسك بمقاليد الأمور في البلاد، وقد أعلن القائد العسكري الجديد أن فرنسا القوة الاستعمارية السابقة حليفة للرجل الذي أطاح به.

لقد فطن الأفارقة للنفاق الفرنسي المتأصل، فباريس تستعمل بلاغات الإدانة والمباركة حسب مصالحها، فهي تدين الانقلابيين في مالي وغينيا وبوركينا فاسو، بينما تبارك الانقلابيين في تشاد.

وهؤلاء الجهلة المتحمسون للتدخل الفرنسي في شؤوننا عليهم أن يفهموا أن فرنسا تدافع عن الديمقراطية داخل حدودها، أما خارجها فهي ستحارب قيام أي نظام ديمقراطي أو شبه ديمقراطي في إفريقيا لأن هذا سيعني نهاية هيمنتها. فهي تعرف أنه في حالة ظهور نظام ديمقراطي مبني على انتخابات نزيهة تفوز فيه بالسلطة حكومة ذات سيادة فإن عقود استغلالها لخيرات هذه البلدان الإفريقية سيتم إلغاؤها وسيتم طرد جيوشها الجرارة من على أراضيها.

فرنسا هي من أسس للأنظمة المبنية على الرشوة والفساد والبيروقراطية والديكتاتورية العسكرية في إفريقيا لأن ذلك يخدم مصالحها الاقتصادية والتجارية، فالتفاوض مع العسكر الدمويين بالنسبة لها أسهل من التفاوض مع المدنيين الديمقراطيين.

تعطي فرنسا عن نفسها عبر ماكنتها الإعلامية وأذرعها الحقوقية أنها دولة تدافع عن حقوق الإنسان في دول العالم الثالث، والحال أنها كلما أحست بأن واحدة من هذه الدول بدأت تشق طريقها نحو الحرية والكرامة والعدالة إلا وتجندت لإفشال هذا التحول الديمقراطي، وقد شاهدنا ذلك خلال السنوات التي أعقبت الربيع العربي، ورأينا كيف أفشل الأوروبيون، وفرنسا على وجه الخصوص، هذه الثورات بسحب استثماراتهم وعاقبوا الشعوب التي حلمت بهذه الثورات بإرجاعها سنوات إلى الخلف بنفس الأنظمة الدكتاتورية مع تغيير طفيف في الوجوه. وأمامنا نموذج ليبيا التي اغتالوا القذافي وخلقوا العشرات من أمثاله وجلسوا يتفرجون عليهم يتناحرون، ومصر التي غيروا مباركها بعسكري جديد داخل النظام نفسه وصل اليوم إلى الإفلاس، وتونس التي احتفظوا بنفس النظام البوليسي وشرعوا يغيرون قمته في كل مرة إلى أن انتهوا بوضع رئيس شبه مخبول يعتقد أن الخطب العصماء تنفع لسد الرمق.

ولهذا نرى اليوم كيف بدأت الشعوب الإفريقية تستوعب أن مشكلتها الحقيقية ليست داخلية بل خارجية وأن تحقيق الديمقراطية الحقيقية رهين بقطع العلاقة مع فرنسا واختراع نموذج محلي للتنمية غير مستورد يحترم القيم الاجتماعية والروحية الأصيلة للشعوب.

وقد بدأت شعوب إفريقية فعلا ترفع في الشوارع اليافطات المطالبة برحيل فرنسا من على أراضيها، ومنهم من تخلص من وجودها قبل سنوات واختار سلك طريق أنجلوساكسونية تعطي ظهرها للفضاء الفرنكفوني بشكل نهائي، وقد بدأت تظهر النتائج الإيجابية لهذا التحول في دول كثيرة أهمها رواندا التي تسببت لها فرنسا في حرب أهلية دموية قضى فيها الملايين.

لقد كان المجاهد عبد الكريم الخطابي بعيد النظر عندما كانوا يقولون له أن لا يثق في الإنجليز وأن يحذر مكرهم، فكان رحمه الله يجيبهم بجملة واحدة: “فرنسا رأس الأفعى”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى