ذكريات خاصة لعبود مع الجنرال بتشين المثير للجدل خلال التسعينيات
يونس جنوحي
كان شبح العربي بلخير يخيم على مؤسسة رئاسة الجمهورية في الجزائر. يحكي هشام عبود عن سوء فهم كبير بين الأمن الرئاسي والمخابرات والجيش. بعد مقتل الرئيس بوضياف، لم يحدث ما كان يتوقعه الجنرال نزار، بل دخل الجيش مرحلة «حمى» كما لو أنه جسد مريض يحاول التخلص من عدوى..، لكنه كان جسدا بمناعة خارقة، وإلا كيف استمر الجنرالات في نهب البلاد طيلة هذه السنوات؟
من يكون بتشين؟
يقول هشام عبود إن الجنرال بتشين كان أقوى من أن يدمره الجنرالات بمكالمة لإبعاده، خصوصا وأن عبود اشتغل في ديوان هذا الجنرال وكان يعرف عنه تقريبا كل شيء. لكنه في هذه المذكرات لم يتطرق لهذا الجنرال إلا في الصفحة 177، أي بعدما استغرق أزيد من ثلثي الكتاب للحديث عن تجارب أخرى، إلى أن وصل إلى مرحلة الحديث عن الرجل الذي اشتغل في ديوانه داخل المؤسسة العسكرية، وبفضله وصل إلى عدد من الملفات التي سبق له كشفها خلال الفصول السابقة من «مافيا الجنرالات».
يقول: «وُلد بتشين في قسطنطينة سنة 1938، وجاء يحمل معه سمعة رجل قوي و«منطلق». حتى أننا أطلقنا عليه لقب «محطم كل شيء في طريقه»، عندما تسبب في أضرار في مختلف مصالح الأجهزة السرية الجزائرية.
كان رجل ميدان ووحدات قتال. مستواه الدراسي توقف تماما في المرحلة الابتدائية. وفي خضم صراع الجنرالات الشيطاني، وجد بتشين نفسه على رأس أكثر مؤسسات الدولة حساسية وأهمية على الإطلاق.
وجد نفسه وجها لوجه مع رموز الجيش الجزائري الذين تكونوا لدى الجيش الفرنسي. ولم تكن لديه أبدا الشجاعة لمواجهتهم.
تحدث لي كثيرا عنهم، حتى أنه حكى لي عن أحد أحلامه، خلال سفر إلى تونس سنة 1990، وكان هذا بحضور الكولونيل محمد الطاهر عبد السلام.
رأى بتشين في الحلم أن الجنرال نزار وضع موانع حديدية في طريقه خلال لحظة كان يحاول فيها الوصول إلى الرئيس بومدين.
لكي يحتفظ الجنرال بتشين بمنصبه، كان يطبق تعليمات مافيا الجنرالات دون نقاش، وهو يعلم في نفسه أنها قرارات غبية وغير منطقية».
ماذا بقي؟
هل قال هشام عبود كل شيء عن الجنرال بتشين؟ لقد تحدث في هذه المذكرات بتعاطف واضح مع هذا الجنرال الذي يعتبره الجزائريون اليوم أحد المسؤولين عن إراقة دماء الأبرياء في شوارع الجزائر خلال الأوقات العصيبة. يقول عنه عبود إنه رغم عدم دخوله في مواجهات مباشرة مع الجنرالات الذين يتحكمون في مفاصل الدولة، خصوصا الجنرال نزار، فإنه نجح في أن يُفرغ محيطه داخل أكثر الأجهزة الأمنية حساسية، من أتباع الجنرالات، ونجح في زرع من يدينون له بالولاء. ولكي لا يثير الانتباه إلى انقلابه الناعم داخل المؤسسة الأمنية والمخابراتية كان يبتعد عن المواجهات أو عصيان تنفيذ التعليمات.
وفعلا كان يستحق اللقب الذي قال عبود إن من اشتغلوا معه كانوا يطلقونه عليه في السر. «محطم كل شيء». إذ كان يشتغل بالطريقة نفسها التي يثقب بها الماء الصخر. بهدوء وصمت دون إثارة الانتباه.
يقول عبود إنه سأل الجنرال بتشين في إحدى جلساتهما المغلقة عن سبب اتخاذه لبعض القرارات رغم أنها غير منطقية. فأجابه بتشين قائلا إنه يكتفي فقط بتنفيذ التعليمات التي تأتي من أعلى.
عاش الجنرال بتشين حربا خفية مع بقية الشخصيات العسكرية المقربة من المناصب الحساسة. إذ لم يكن لديه سوى منافس واحد هو مساعده الطاهر، واستفاد من إحالة خمس شخصيات مرموقة على التقاعد وهم في منتصف الخمسينيات من العمر.
لكنه في غشت 1990 سوف يغادر منصبه تاركا خلفه المجال فارغا لمساعديه السابقين، وهما محمد الطاهر عبد السلام وشريف، وقد أرسلهما الجنرال توفيق بعيدا عامين بعد مغادرة بتشين الذي لم يتوقع أحد أن يغادر بسهولة.
وطبعا يعلم الذين عاشوا مختلف مراحل حرب الجنرالات داخل الجزائر، أن الجنرال بتشين ما غادر إلا ليعود أكثر قوة خصوصا بعد أفول نجم عدد من الشخصيات التي حاولت إبعاده. وظهر لهم أن «بتشين» كان أكبر من أن يُهزم في جولة مواجهات وحيدة.