واهم من يعتقد أن مباراة الديربي تنتهي بإطلاق صفارة النهاية من طرف الحكم، بعد زيادة وقت مستقطع من زمن المباراة.
لن يتوقف جدل الديربي لأن مضاعفاته تتجاوز حدود الدار البيضاء وما جاورها، ولن يسلم اللقاء الكروي من محاضر استنطاق ومن حراسة نظرية لأن الحديث عنه ذو «سجون».
أعلن الوداديون مقاطعة فرجة الديربي لغلاء ثمن التذكرة، واعتبروها فرصة سانحة لكسر شوكة رئيس يردد على مسامع الرجاويين أغنية الصينية تارة ومهمومة تارة أخرى. لكنهم حرموا فريقهم من قوة دعم جماهيرية تنفخ فيه روح الحماس والعزيمة.
تعادل الرجاء والوداد فتنفست سلطات المدينة الصعداء، لأن التكافؤ هو الكفيل بسل شعر الاحتقان من عجين مباراة الغريمين.
لا غالب ولا مغلوب في مباراة شدت إليها أنظار البيضاويين، وأفرغت المساجد مبكرا من المصلين، حيث شد الرجاويون الرحال إلى الملعب وجلس الوداديون أمام شاشة التلفاز يتابعون الاستوديو التحليلي الذي يتكلم عن مباراة أخرى غير الديربي.
المباراة لم تنته، هناك وقت إضافي يخصصه جمهور الفريقين للتراشق بالنكت والمواقف الساخرة، فحين ضرب الرجاويون كفا بكف على ضياع انتصار في آخر الأنفاس، ردد الوداديون في منصات التواصل الاجتماعي مقاطع من أغنية قطار الحياة وأنشدوا «الصدمة كانت قوية».
ما شهده الديربي من أحداث لا رياضية يجعلنا نؤمن بأن هذه المباراة تتوفر على جميع مواصفات «بؤرة الاحتقان»، بل وتتحول أحيانا إلى مسرح للجريمة لأنها مواجهة عالية التوتر، يكتوي من نارها القاطنون في محيط الملعب والبعيدون عنه على حد سواء.
لمباريات الديربي بين الوداد والرجاء البيضاويين خصوصياتها الفريدة، فهي ليست مجرد مواجهات كروية يحصل فيها الفائز على ثلاث نقط، بل هي جحيم تتفاعل داخله الكثير من التطاحنات التي تنم عن صراعات وأحقاد عميقة بين مشجعين من بيت واحد ومن حي واحد ومدينة واحدة ووطن واحد، وحدها الألوان مصدر اختلافهم.
في اليوم الموالي، يحصي كل طرف خسائره ومكاسبه، ويتأكد بعد انتهاء كل مواجهة أن الريادة الكروية في العاصمة الاقتصادية أصبحت بقعة متنازعا حولها، وأن أصحاب القبعات الزرق سيحلون يوما بالدار البيضاء لتنزيل ميثاق سلام بين طرفي النزاع، بعد أن عجزت مذكرة التفاهم بين رئيسي الوداد والرجاء عن نزع فتيل الصراع، وفشلت اتفاقية وقف إطلاق النار في تحقيق الهدنة بين كتائب كل فريق، وبات تسطير الحدود بين الجارين وتبادل الأسرى شأنا دوليا.
من يعتقد أن الديربي مجرد «كر وفر» وراء كرة محشوة بالهواء الفاسد فهو واهم، فكثير من الرؤساء والمناصرين والمدربين واللاعبين يقاطعونه بناء على توصية طبيب، خاصة إذا كان الوضع الصحي هشا غير قادر على مشاهدة مباريات الضغط العالي، التي تختار لها الصحافة عناوين طبية «مباراة ممنوعة على مرضى السكري»، «ديربي ممنوع على مرضى القلب»، «ديربي الأعصاب»، وهي عناوين كان من الأجدر أن تذيل بوصفة دواء، والحال أن مثل هذه المباريات ممنوعة على مرضى المسالك البولية أيضا، لأن كثيرا من المناصرين يعجزون عن التحكم في الوضوء لمدة تسعين دقيقة.
يطالب الراسخون في علم الكرة باستيراد حكام من البرازيل لقيادة هذه المباريات الحارقة، يودون لو أن العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية، تعفي حكامنا من هذه المباراة وتفوتها لصفارات أجنبية، رغم أن تجربة الحكم الأجنبي في المغرب أثبتت فشلها، وعجزت عن تحقيق إجماع حول قرارته.
أيها الديربي الرهيب، لقد هجروك ونفوك وأجلوك وجلدوك شفروك (من التشفير)، وجردوك من جمهورك دون أن تفقد جاذبيتك وتطيح بقانون الجذب الذي ابتكره نيوتن.
حسن البصري