دول حربائية
تواصل فرنسا سياسة الغموض والحربائية تجاه القضية الوطنية، بينما تتطور مواقف الدول الكبرى الداعمة بشكل واضح لسيادة المغرب على صحرائه. فبعد الاختراق الكبير الذي حققه الموقف الأمريكي في جدار الانفصال، جاء موقف إسبانيا بتأييدها لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية ليبعثر كل أوراق الانفصال، لتتوالى بعد ذلك مواقف التأييد من ألمانيا والبرتغال وبلجيكا، بينما ظلت فرنسا في مكانها تتابع الأحداث والمواقف المتسرعة دون أن تستطيع خلق الحدث.
لكن ما زاد في إحراج فرنسا هو القرار الإسرائيلي الذي جاء ضمن رسالة موجهة إلى جلالة الملك، أعلنت من خلالها تل أبيب عن اعترافها بمغربية الصحراء. هذا الموقف بلا شك سيجعل فرنسا دولة تجاوزتها الأحداث، مع العلم أن تاريخها مع بلدنا والتاريخ الطويل بين الرباط وباريس يسمح لفرنسا بأن تكون المدافع الأول عن سيادة المغرب وحقوقه التاريخية على أراضيه.
لكن سياسة الحربائية التي مارسها الرئيس إيمانويل ماكرون، حولت مواقف فرنسا تجاه حليف تقليدي كما تدعي إلى مواقف بلا ألوان، بل مواقف من القضية الوطنية تتلوَّن كلَّ يوم بلون معيَّن بحسب مصالحها في الشتاء والصيف، فتارة تبدو كالمدافِعة باحتشام عن الموقف المغربي، وفي أوقات كثيرة يبدو أنها تلعب على الحبلين معا، وتارةً تبدو أداة في يد الانفصال، وهكذا دواليك، فكل يوم فرنسا في شأنٍ مغاير.
إن المغرب لا يُمكن أن يستمر في وضع فرنسا في قائمة الدول الصديقة والحليف الاستراتيجي إذا كانت باريس تصر على الاستمرار في مواقفها الحربائية والاحتماء بمناطق الراحة، ولذلك فإنَّ بلدنا حذر أشدَّ الحذر إدارة ماكرون مِن هذا الداء الخطير الذي ينخر منذ سنوات العلاقات بين الرباط وباريس مما أدخلها إلى غرفة الانعاش. وكم من مناسبة دعا فيها ملك المغرب، بشكل مباشر أو غير مباشر، فرنسا إلى أن تهبَّ لمعالجة نفسها وتتخذ الموقف الذي يليق بعلاقتها التاريخية بالمغرب، قبلَ أن تتسارع وتيرة التحوُّلات أكثر فتطير مكانة فرنسا في مهبِّ الرِّيح أمام حلفاء جدد واضحين في المواقف تجاه سيادتنا الوطنية ومستعدين لتحمل كلفة مواقفهم المبدئية، ويكفي النظر للموقفين الإسباني والإسرائيلي لنميز بين موقف الدول الواضحة وغيرها من الدول الحربائية.